للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ﴾ مثلها كمثل المطر ينزل من السماء ﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ﴾ بسببه ﴿نَباتُ الْأَرْضِ﴾ البذور الكامنة في التربة ﴿مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالْأَنْعامُ﴾ أنبتت الأرض من كل أنواع النبات ممّا يستفيد منه الإنسان والحيوان ﴿حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها﴾ الزخرف في اللغة هو الذهب، ويشبّه به كل زينة مصطنعة، فالمقصود أن الأرض أخذت زخرفها ليس فقط بنتيجة نبات الأرض وزراعتها، بل أيضا بما أضافه الإنسان بنتيجة جهوده الفنية التقنية في سبيل رفاهيته، ليس بالضرورة بما يتناسب مع الطبيعة والبيئة، بل بما قد يتعارض ويتنافر معها ويخلّ بتوازنها ويلوّثها ﴿وَاِزَّيَّنَتْ﴾ تزيّنت ﴿وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها﴾ ظنّوا أنهم مسيطرون عليها ومتمكّنون منها بمشاريعهم وبوسائلهم العلمية والتقنيّة ﴿أَتاها أَمْرُنا﴾ المقدّر لإهلاكها، إمّا بجائحة سماوية، أو بما أفسدت يد الإنسان من تخريب البيئة ﴿لَيْلاً﴾ وهم نائمون ﴿أَوْ نَهاراً﴾ وهم غافلون عن آخرتهم لاهثون وراء دنياهم، ويحتمل المعنى أيضا أن تكون بعض أجزاء الكرة الأرضية ليلا وبعضها نهارا، بسبب كروية الأرض، وهو من إعجاز القرآن العلمي ﴿فَجَعَلْناها حَصِيداً﴾ كالأرض المحصودة الجرداء المستأصل زرعها ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ كأنّها لم تكن غنية في الماضي ﴿كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ﴾ مثل هذا التفصيل والبيان ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ يستفيدون من عقولهم وأفكارهم، ويتعظون قبل فوات الأوان.

﴿وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (٢٥)

٢٥ - ﴿وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ﴾ استمرار الخطاب من الآية السابقة، أي هم يؤثرون متاع الحياة الدنيا والبغي والإفساد وما يتبع ذلك من الشقاء، في حين أنّه تعالى يدعوهم إلى ما يؤدّي بهم إلى دار السلام والسعادة الأبدية في الآخرة، كما يدعوهم إلى السعادة الدنيوية التي يتمتع بها المؤمنون، وهي الراحة النفسية الداخلية، والعيش بسلام مع دنياهم دون فساد وإفساد ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ الله تعالى يدعو كل أحد إلى دار السلام، ويهدي من يشاء الهداية، ومن لديه الاستعداد لها، إلى الطريق الموصل إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>