للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ (٥٤)

٥٤ - بعد أن ذكر تعالى حال الكفرة وشركهم، احتجّ عليهم بقدرته بلا حدود وبمخلوقاته، ودلّهم بذلك على أن لا معبود سواه، فقال عزّ شأنه:

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ السماوات بصيغة الجمع لأنها إشارة إلى الكون بكامله شاملا بلايين المجرّات والنجوم والكواكب ممّا لا حصر له، والأرض بصيغة المفرد وهي الكرة الأرضية التي نعيش عليها، ولا يمنع ذلك أنّ الأرضين كثيرة بدليل قوله تعالى ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢/ ٦٥]، وسبب ذكر الأرض بالمفرد لأن باقي الأرضين مشمولة في تعبير السماوات، انظر آية [الأنعام ١/ ٦]، ﴿فِي سِتَّةِ أَيّامٍ﴾ الأيام بمعنى الحقب الزمنية، وليست أيام أرضنا المكونة من ٢٤ ساعة، وفي العربية يشير تعبير اليوم لحقبة زمنية طالت أم قصرت، كقوله تعالى ﴿فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج ٤/ ٧٠]،

﴿ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ كناية عن مقدرته تعالى المطلقة في الخليقة، وحرف ﴿ثُمَّ﴾ لا يعني الترتيب الزمني بالضرورة، فقد يفيد معنى العطف، راجع إعراب القرآن للزجاج، ونلاحظ أن الاستواء على العرش تكرر في القرآن سبع مرات في كل مرة يذكر فيها خلق الكون، وهي [الأعراف ٥٤/ ٧]، [يونس ٣/ ١٠]، [الرعد ٢/ ١٣]، [طه ٥/ ٢٠]، [الفرقان ٥٩/ ٢٥]، [السجدة ٤/ ٣٢]، [الحديد ٤/ ٥٧]،

﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾ الإغشاء والتغشية إلباس الشيء بالشيء، والمعنى أن الليل يزحف على النهار فيغطيه تدريجيا في إحدى جهات الكرة الأرضية، في الوقت الذي يكون النهار زاحفا على الليل فيغطيه تدريجيا في الجهات الأخرى، واللفظ يحتمل الحالتين معا، وفيه دليل على كروية الأرض ﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثاً﴾ الحث هو الإعجال، والمعنى أن الليل والنهار يتابع أحدهما الآخر باستمرار وعجلة، حتى يعود أحدهما إلى موقعه السابق كل ٢٤ ساعة ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>