للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاقتناع بها، وإذا توصلوا إليها فهم يجحدونها من قبيل التكبر والعصبية والتقليد الأعمى وإتباع الأكثرية المسيطرة وحب الدنيا ﴿كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وهي إقرار حقيقة واقعة، بأن عقول أمثال هؤلاء الكافرين بعد أن طغت عليها العصبية والتقليد الأعمى وحب الدنيا، قد زيّن لهم ضلالهم حتى يكون أحدهم من أذكى الناس ثم يبرر لنفسه السفاهة والحماقة والخرافة التي يعتقد بها، ويوجه سلوكه الظاهر والباطن بموجبها.

﴿وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ﴾ (١٢٣)

١٢٣ - استمرار الخطاب من الآية السابقة ومعطوف على قوله ﴿كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾:

﴿وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها﴾ القرية - بلغة القرآن - هي المجتمع أو الشعب أو الأمّة، أو المدينة الكبرى التي يقيم بها أولو الحل والربط، والمعنى استمرار من الآية السابقة، أي كما زيّن للكافرين عملهم وتخبطهم في ظلمات الجهالة والتقليد والتعصب وحب الدنيا، كذلك فإنه من سنن الاجتماع البشري أن يصبح بعض المجرمين من هؤلاء أكابر في بعض المجتمعات، بحيث يكون إجرامهم سبب كونهم أكابر، أي يبلغون مراتب الزعامة بمكرهم وخداعهم وتدليسهم وغدرهم، ويصدق فيهم قوله تعالى:

﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ * وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ﴾ [البقرة: ٢/ ٢٠٤ - ٢٠٥]، وقد ينكرون الوحي والرسل لكي يحكموا الناس على هواهم، وقد يدّعون العلمانية بزعم التحرر، ويكثر ذلك في الأمم التي تنتشر فيها المطامع والتنافس على الزعامات، وتزداد عند ما تكون الشعوب جاهلة ومتخلفة ومغلوبة على أمرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>