وأما قوله تعالى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [آل عمران ٩٣/ ٣]، فمعناه من جهة، أنه لم يكن يوجد من العرب من غير اليهود من يقرأ التوراة باللغة اليونانية، وهي الترجمة السبعينية للعهد القديم، ولا من يقرأها بالعبرية، ومن جهة أخرى تحداهم القرآن أن يأتوا بتوراة موسى الأصلية، وليس الكتب التي ألّفوها من عندهم فلم يبق لديهم من أصل الوحي إلاّ أقلّ القليل، ومن إعجاز القرآن أنه أخبر بهذه الأمور مع أنه لم يكن في جزيرة العرب مركز ثقافي ديني ليقوم بنشر أفكار الكتاب المقدس التي طرقها القرآن، وفي ذلك نقرأ قوله تعالى: ﴿وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت ٤٨/ ٢٩]،
﴿وَهذا﴾ القرآن ﴿لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ بإعجازه وإحكامه يستحيل أن يكون من كلام البشر إطلاقا، ومن باب أولى يستحيل أن يتقوله أحد من غير العرب،
﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ (١٠٤)
١٠٤ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ﴾ استكبارا، وتعاميا عن الحقيقة، وتقليدا لآبائهم وأجدادهم ﴿لا يَهْدِيهِمُ اللهُ﴾ مضت سنته تعالى في أمثالهم أنهم لا يهتدون، من تلقاء أنفسهم، والله تعالى لا يجبرهم على الهدى قسرا ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ متناسب مع كفرهم، والإصرار عليه،