إنفاقها في سبيل الله ينطبق على أهل الكتاب والمسلمين معا، وهو قول أبي ذر ﵁، ذكره الطبري،
فمن جهة أهل الكتاب يلاحظ أن كنائس المسيحية في الغرب قد جمعت وكنزت ثروات خيالية ينفقون منها في الباطل وفي الحملات التبشيرية وفي التنفير عن الإسلام والطعن فيه وتشويه صورته ورسالته، ومن جهة المسلمين فقد كنز الكثير منهم ثروات ضخمة دون أن ينفقوا زكاتها، على فرض أنهم لم يجمعوها بالباطل، فضلا عن سوء استخدامها وتبذيرها وهدرها بلا طائل بمختلف الوسائل، وعدم إنفاقها في الوجوه الصحيحة لمنفعة المسلمين وقضية الإسلام ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخرة كما سيرد في الآية التالية، ولفظ البشارة يستخدم في الخير وفي الغمّ، لأن بشرة الإنسان تتلوّن وتتغير عند سماع أحد الخبرين، وإن غلب عند الكثيرين استعمالها لأجل البشارة بالخير.
﴿يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ (٣٥)
٣٥ - ﴿يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ هذه الاستعارة البليغة لبيان عاقبة من يأكل أموال الناس بالباطل، أو يسيئ استعمال الثروة، فقد يكون كيّ الجباه كناية عن عذاب الفكر الذي قاد صاحبه للاعتقاد أن الثروة هدف بذاتها وليست وسيلة، وكيّ الجنوب التي هي جوانب البطن مقر الجشع والطمع لبيان أنّ الجشع لا يصل بصاحبه إلى الرضا والقناعة، وكيّ الظهور لأنها أصل القوة والتوازن لمن كان يظن أن الثروة هي كل ما يحتاج المرء للوصول إلى القوة والسلطة في الدنيا ﴿هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ تظنون النجاة بما كنزتم ﴿فَذُوقُوا﴾ عاقبة ﴿ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ فهي لا تفيد صاحبها الذي أساء استخدامها، أو حصل عليها بالباطل شيئا، سوى أنّه يتعذّب بنتيجتها، راجع آية [آل عمران ١٨٠/ ٣].