للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغدق عليهم من النعم الكثيرة - على سبيل الابتلاء - ما لا يقارن مع نظرتهم الدنيوية المادية المحضة: ﴿إِنّا بَلَوْناهُمْ﴾ أي الكفار ﴿كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ﴾ (١٧)، والمفترض أن يأخذ الفقراء حقهم أولا، لقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ [الأنعام ١٤١/ ٦]، فلم يأبهوا لذلك، وفيه إشارة لقوله: ﴿مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ (١٢).

﴿وصمموا أن لا يستثنوا للمساكين أي جزء من الحصاد: ﴿وَلا يَسْتَثْنُونَ﴾ (١٨) وقيل بل المعنى أنهم عندما عزموا على فعلتهم لم يعلّقوا الأمر بالمشيئة العليا فلم يقولوا "إن شاء الله تعالى" وتلك كانت خطيئتهم الثانية، لقوله: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً * إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ﴾ [الكهف ٢٣/ ١٨ - ٢٤]، وفي سلوكهم أيضا إشارة للمذكور بالآيات (١٤ - ١٥) لجهة اعتدادهم بالدنيا وإنكارهم الوحي.

فأحاط البلاء بجنتهم ليلا: ﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ﴾ (١٩)

ولم تلبث أن أصبحت كالبستان الذي صرمت ثماره وأشجاره بحيث لم يبق منها شيء: ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ (٢٠) أي صرم عنها الخير إذ يبست وذهبت خضرتها، فالصريم بمعنى المصروم.

ثم أصبحوا وهم غافلون تمام الغفلة عما جرت به المقادير: ﴿فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اُغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ (٢١ - ٢٢)

فانطلقوا مصمّمين على فعلتهم الشنيعة: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ﴾ (٢٣ - ٢٥) والحرد الانفراد أي أرادوا الانفراد بالجنة وغلّتها.

فلمّا رأوها كالصريم ظنّوا أنهم ضلّوا الطريق إليها: ﴿فَلَمّا رَأَوْها قالُوا إِنّا لَضَالُّونَ (٢٦)﴾ أو أنهم أدركوا خبث نفوسهم وضلالهم عن الصواب وأقرّوا

<<  <  ج: ص:  >  >>