للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل حضور الأجل حيث يفوت الأوان ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ﴾ كناية عن اتساعها بلا حدود ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الموصوفين في الآية التالية:

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (١٣٤)

١٣٤ - ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ﴾ السرّاء من السرور والضرّاء من الضرر، والمعنى الذين ينفقون في حالة الرخاء واليسر، وفي حالة الضيق والشدة والعسر، وقد بدأ تعالى بذكر الإنفاق الذي هو نقيض الربا، وجعله أول صفة من صفات المتقين، لأن الإنفاق شاقّ على النفوس، وهو في نفس الوقت أنفع للبشر من سائر الصفات والأعمال، وإذا كان الإنفاق مطلوبا حتى من المعسرين لما فيه من تطهير النفوس من الخسة والرذائل، حتى جعله تعالى علامة التقوى المطلوبة لدخول الجنة، فكيف بحال الموسرين الذين يبخلون بأموالهم عن الخير ﴿وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ وهذه صفة ثانية من صفات المتقين وهي كظم الغيظ، أي كبحه حتى لا يظهر أثره على المرء لا بقول ولا بفعل، وذلك من مزايا الصبر والحلم، لأن من أجاب داعي الغيظ إلى الانتقام لا يقف عند حد الاعتدال ولا يكتفي بالحق بل يتجاوزه إلى البغي ﴿وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ﴾ وهي مرتبة في ضبط النفس وكرم المعاملة فوق مرتبة كظم الغيظ، فقد يكظم المرء غيظه ويبقى في قلبه الحقد والضغينة ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ وهي مرتبة أعلى أن يحسن المرء لغيره بعد أن يكظم غيظه ويعفو عنه.

﴿وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (١٣٥)

١٣٥ - ﴿وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً﴾ وهي العمل الشديد القبح الذي يخرج عن الحد ﴿أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ ظلم النفس يطلق على كل ذنب ﴿ذَكَرُوا اللهَ﴾ أي ذكروا ما يترتب على الفحش والذنوب من مؤاخذة الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>