للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٣ - ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾ ما وجه العجب أن يأتيكم الوحي والعلم على لسان رجل منكم، مع معرفتكم مسبقا بصدقي وأمانتي منذ زمن طويل؟ وقد لبثت معكم ألف سنة إلاّ خمسين عاما [العنكبوت ١٤/ ٢٩]، وسمّى الوحي ذكرا لأنه تذكير للناس بالعهد الذي أخذه تعالى على بني آدم عندما أخذهم من ظهور آبائهم وأشهدهم على ربوبيته، انظر الآية (١٧٢)، ﴿لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا﴾ لينذركم حساب يوم القيامة وعاقبة الكفر والشرك، ولتتقوا عذاب الدنيا والآخرة ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فتعرفون طريق السعادة وتنالون رحمة الله بدخول الجنة.

﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ﴾ (٦٤)

٦٤ - ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ كان من نتيجة تكذيبهم أن أغرقهم تعالى بالطوفان، وأنجى نوحا والمؤمنين معه، والواضح من الآية - خلافا لكتب اليهود - أن الطوفان لم يكن عاما بل اقتصر على الذين أصروا على التكذيب بالآيات ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ﴾ وهو سبب تكذيبهم: أنّ التقليد وحب الدنيا أعميا بصائرهم عن رؤية الحقيقة، ثم حقّ عليهم العذاب لما انقطع منهم الرجاء.

يلاحظ أن قصة نوح - وغيره من قصص الأنبياء - تكررت في القرآن بعدّة مواضع، والسبب أنّ القصص القرآنية ليست مقصودة لذاتها، فهي ليست لمجرّد التأريخ وسرد الحوادث، ولكن القصد منها العظة والحكمة، ومن ثمّ عندما تتكرر القصة في عدة سور فإنها في كل مرة ترد ضمن سياق ومغزى جديد يتناسب مع موضوع السورة، فيظهر جانب جديد منها، وتبدي حكمة أو حكما معينة لم تكن في باقي السور، وفي كل مرة يكون التركيز على الجانب من القصة ذي العلاقة بمحور السورة مع إيجاز جوانبها الأخرى وترك بعضها الآخر، فمثلا في قصة نوح المذكورة أعلاه نلاحظ الإيجاز الشديد في بيان

<<  <  ج: ص:  >  >>