﴿قالوا إنّ الخمس آيات الأولى من السورة تشير إلى الخيل المغيرة وقت انبلاج الصبح، والشرر يقدح تحت حوافرها مثيرة الغبار - النقع - حتى تتوسط جمع العدوّ، وزعم آخرون أنها الإبل تسرع بالحجيج من عرفة إلى مزدلفة إلى منى فتتوسط جموع الحجاج: ﴿وَالْعادِياتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِياتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً﴾ (١ - ٥)،
وذكروا حججا واهية في الربط بين الآيات (١ - ٥) والآيات (٦ - ١١) من السورة، وحيث لا بد من وجود رابط قوي وتسلسل منطقي بين الآيات (٦ - ٨) وما قبلها، وما دامت الآيات (٦ - ٨) تدين الإنسان بأنه كفور متهالك على الدنيا، فعلينا أن نستنتج أن الآيات (١ - ٥) منسجمة مع هذه الإدانة وليست مديحا لما توهّموا أنهم حجيج أو مقاتلون في سبيل الله يغيرون على العدو، وقد رأى محمد أسد في العاديات ضبحا كناية عن النفس الإنسانية العاصية المنهمكة في اللحاق بأهداف شريرة وهي خلوّ من أي توجّه روحاني بسبب اختلاط الأمور عليها وكثرة الذنوب وهيمنة الشهوات والأنانية ومادية الدنيا، فتندفع بصورة عمياء إلى الفساد والإفساد لا يردعها ضمير ولا تعقّل، إذ أعماها غبار الجهل والشهوة فتعيث في الأرض فسادا، والسبب أن أصحاب هذه النفوس جاحدون فاسقون وهم المعنّيون بقوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ (٦) أي جاحد مستسلم لشهواته،
وتشهد أعماله الشريرة على ضلاله وكفره: ﴿وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ (٧)
وهو بالنظر لماديته وتهالكه على الدنيا شديد الحب للمال: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)﴾