للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ (١٠٣)

١٠٣ - ﴿ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ﴾ وهي أربعة أنواع من البهائم كانوا في الجاهلية يحرّمونها على أنفسهم ويتركونها لطواغيتهم، فالبحيرة هي الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن آخرها ذكر، كانوا يشقّون أذنها ثم يمتنعون من الانتفاع بها ويتركونها لآلهتهم بزعمهم، والسائبة بمنزلة البحيرة وهي البهيمة يسيبونها أي يتركونها لأصنامهم، والوصيلة هي الشاة التي تصل أنثى بأنثى في الولادة ثم بعد سبعة أبطن يحرمون على أنفسهم الانتفاع بها، والحامي فحل الإبل يتركونه بعد عشر سنين، وقال المفسرون نحو ذلك في شرح هذه الأنواع الأربعة.

ومعنى الآية أنّ الله تعالى لم يشرّع لهم تحريم هذه البهائم، وهو استمرار الخطاب من الآيات السابقة، فبعد أن نهى تعالى عن تحريم الحلال، ونهى المؤمنين أن يكونوا، بكثرة أسئلتهم، سببا في تحريم شيء لم يكن محرّما من قبل، ضرب لهم مثلا في هذه الآية عن ضلال الناس في الجاهلية إذ حرّموا ما لم يحرّمه الله ﴿وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾ لأنهم كانوا ينسبون التحريم إلى الله تعالى، ولو بشكل غير مباشر، إذ يقولون ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الأنعام: ٦/ ١٤٨]، وهم بقولهم هذا كأنهم يدّعون الجبر مع أنه تعالى أعطى الإنسان حرية الخيار، فعدم إجباره لهم على الفعل أو الترك ليس دليلا على رضاه تعالى عمّا اختاروه لأنفسهم من الضلال،

﴿وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾ لا يستخدمون العقل - بل يتّبعون التقليد كما سيرد في الآية التالية -، والآية وإن كانت خاصة في ممارسات الجاهلية إلاّ أن مغزاها عام ينطبق على كل الناس في كل العصور، فقد يزعم البعض أنهم يتقربون إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>