على ما فيها من عقائد مسبقة كمن يحاول الاستخفاء من الوحي الإلهي ومن الدعوة الجديدة، وبذلك يحاولون إقناع أنفسهم أنهم معذورون على ما هم عليه من جهل وعدم العلم بالشيء، وهذا شأن المكابر ومن يتجاهل القرآن عمدا ويعرض عن دراسته ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ﴾ مجازا، وهي كناية عن التعامي عن دعوة الإسلام وادّعاء الجهل ﴿يَعْلَمُ﴾ تعالى ﴿ما يُسِرُّونَ﴾ من أفكار ﴿وَما يُعْلِنُونَ﴾ من معارضة ضمنية وصريحة لدعوة الإسلام ﴿إِنَّهُ﴾ ﷾ ﴿عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ لا يخفى عليه شيء من أسرارها، وهذه الآية وإن كان المقصود منها في الأصل كفار مكة، إلا أنها كسائر القرآن منطبقة على الكفار والمشركين والجاحدين المناهضين للإسلام والمتعامين عن رسالته في كل الأزمنة وفي كل مكان.
٦ - استمرار الخطاب من الآية السابقة عن علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وأنه على كل شيء قدير، الآية (٤)﴾ وأنه تعالى يرزق المؤمن والكافر بمقتضى سننه: ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ كل من يدبّ عليها من كائنات حية ومنها بنو البشر، مؤمنهم وكافرهم ﴿إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها﴾ بأن سخّر الرزق لها وهداها إلى طلبه وتحصيله إمّا بباعث غريزتها أو بما هداها إليه من العلم بأسباب كسبها وفق نواميس الخلق والسنن، لأنّ مشيئته تعالى تكون بمقتضى سننه وما جعله من ارتباط الأسباب بالمسببات وحكمته فيها ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها﴾ في الحياة والممات، فهو تعالى يرزقها إلى أن يحين أجلها - مستقرها -، ويعلم ما تصير إليه في آخرتها - مستودعها -، فالمستقر هو نهاية المطاف في الحياة الدنيا، والمستودع يكون في الحياة الآخرة ليس من يستطيع التحول عنه بعد موته ﴿كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ كلّ من الدواب وأرزاقها ومستقرّها ومستودعها في علم الله القديم، ثمّ بيّن تعالى في الآية التالية المزيد من شمول قدرته لكل شيء: