للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستخدمون عقولهم لتقويم ما يقوله النبي وما يقرؤون من القرآن من حيث جدارته الفعلية، فقد اتخذوا مواقف سلبية مسبقة سلفا.

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ﴾ (٤٣)

٤٣ - ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ﴾ بعينيه، ولا يبصر بقلبه ما آتاك الله من نور الهداية، لانشغاله عن ذلك بما صمّم عليه سلفا ﴿أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ﴾ تشبيه المصرّ على انغلاق عقله بالأعمى، لكونه أعمى البصيرة عن الحقيقة.

والمغزى من الآيتين أنّ فاقد الاستعداد لاستخدام العقل، ومن لا يستطيع أن يضع جانبا العصبية والتقليد المتوارث، لا يستطيع بالتالي أن يسمع الحقيقة ولا يمكنه أن يراها، لأنّ فكره منغلق سلفا على ما فيه.

﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (٤٤)

٤٤ - ﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً﴾ فهو يبعث الرسل وينزّل الكتب، ويعطي الإنسان العقل والحواس ليختار ما هو في صالحه، ولا يسلبهم حواسهم وعقولهم ﴿وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ لأنهم يصرفون عقولهم وأعمالهم لما لا يليق، بل يعطّلون عقولهم.

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾ (٤٥)

٤٥ - بعد أن وصف تعالى المصرّين على الكفر بقلة الإصغاء، وقلة النظر، أتبع ببيان مآلهم: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ الساعة الواحدة من النهار يضرب بها المثل في قصر المدة، أي أن الحياة قصيرة الأمد، في جنب الآخرة، كأنها ساعة واحدة من النهار أمضوها في التعارف فيما بينهم، والمغزى أنهم ضيّعوا أعمارهم في طلب الدنيا والحرص عليها، ثمّ لم ينتفعوا منها لآخرتهم شيئا، فكان ذلك العمر بالنسبة إليهم قليلا، يستقلّونه في آخرتهم بعد أن كان منتهى أملهم في الدنيا ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>