﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ﴾ من كفار قريش، أو غيرهم من العرب، أو أهل الكتاب، أو الكفار في كل العصور والأمكنة ﴿فَقَدْ وَكَّلْنا بِها﴾ أي بالرسالة ﴿قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾ وهم المسلمون في كل الأزمنة، إذ يوكّل تعالى بالرسالة أقواما آخرين يستحيل أن يكفروا بها، بل يتمسكوا بها ويعملوا بمقتضاها، فهنالك دوما من هو جدير بحمل راية الدين، وهؤلاء الأقوام موجودون في الدنيا على مرّ العصور، وليسوا مقتصرين على جنس معين، وقد يتتابعون في حمل راية الإسلام من قوم إلى قوم آخرين فيشرّفهم تعالى بحمل رسالته، وهذه الآية إخبار بالغيب، واستخدام الفعل الماضي للدلالة أنّ نصره تعالى لدينه متحقق لا محالة.
ومن ذلك رأينا في سورة الجمعة أنه بعد كفر أهل الكتاب من بني إسرائيل ثم رفضهم آخر أنبيائهم العظام عيسى المسيح ﵇، ثم انحراف المسيحية نحو ديانة بولس، فقد أوكل تعالى الرسالة السماوية إلى المسلمين من ذرية إسماعيل.
[محور السورة]
نزول الوحي على النبي ﵇ يخبره باستماع الجن له وهو يتلو القرآن: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اِسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً﴾ [١/ ٧٢]، فآمنوا به وتبرؤوا من عقائد اليهود الفاسدة ومن شرك المسيحية، وتبلغ السورة أوجها بإخباره تعالى عن عباده: ﴿وَأَنْ لَوِ اِسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً﴾ [١٧/ ٧٢]، فالنعم قد تكون ثوابا وفتنة في الوقت ذاته، ثمّ إنّ الإعراض عن القرآن يكون مقدمة لأسوأ العواقب.