للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿يَفْقَهُوهُ﴾ أي القرآن ﴿وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً﴾ الأكنّة جمع كنان وهي ما تقي الشيء وتستره، والوقر هو الصمم، والمعنى أن الكفار أغلقوا عقولهم عن الفهم، وصمّوا آذانهم عن سماع الحق، وقد نسب تعالى الفعل إلى ذاته العلية لما مضت به سنته في طباع البشر بأن يكون التقليد الذي يختاره المرء لنفسه مانعا له من التفكر والاستدلال والبحث عن الحقيقة، انظر آية [البقرة: ٢/ ٧]، فالمقلّد لا يستمع بهدف الفهم أو البحث عن الحقيقة، بل هو يخشى من تأثير الأفكار الجديدة على عقله، وكذا المكابر والمعاند ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها﴾ لأنهم عزموا على التمسك سلفا بما هم عليه من العقائد والأفكار الموروثة، وغير الموروثة ﴿حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ﴾ بفكر منغلق لمجرّد الجدال ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الذين صمموا على الكفر ﴿إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ لا يعقلون من قصص القرآن إلاّ أنها حكايات وخرافات من أساطير الأولين، وهذا شأن من يعالج الأمور بمنظار مسبق، أو ينظر إليها نظرة سطحية، فلا يحاول التعمق في دراسة القرآن، ولا تقويم الرسالة من حيث جدارتها، وهذه الفئة من الناس موجودة في كل الأزمنة والأمكنة.

﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ﴾ (٢٦)

٢٦ - ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ من جهود الكفار في محاربة الإسلام أنهم ينهون الناس عن الاستماع للقرآن وعن دراسته لكي لا يقفوا على حقيقة الإسلام فيؤمنوا به، وهم أيضا ينأون عنه فكريا إذ يبتعدون عن دراسته بذهن منفتح، وكان هذا شأن مشركي قريش وقت البعثة النبوية، كما هو شأن الكثير من الناس ممّن يسمّون أنفسهم اليوم بالعلمانيين، وهو أيضا شأن بعثات المبشّرين والصليبيين في كل العصور، ومن هؤلاء من يترجم القرآن إلى لغات أخرى بأسلوب الدسّ، ومنهم من يكتب المؤلفات في التهجم على الإسلام بطريقة خفية أو ظاهرة، أو يركّز على سلبيات المسلمين ويلصقها بالإسلام ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ﴾ غرضهم هو زوال الإسلام، لكنهم في الواقع

<<  <  ج: ص:  >  >>