٩ - ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من عالم المشاهدة، يعاينونه أينما توجّهوا، ما يدلّ على كمال قدرته وحكمته ﷿، فكيف يزعمون قصور قدرته عن البعث والإحياء؟ ﴿وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ من عالم الغيب الذي لا يحيطون به؟ ما هو فوق تصوّرهم، وأكثر بكثير من عالم المشاهدة ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ بالزلزلة فجأة، فتفوتهم فرصة التوبة ﴿أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ﴾ قطعا من السماء، كالنيازك والمذنّبات والأشعّة الكونية تسقط عليهم، ما يدل على تفاهة الإنسان وضعفه غير المتناهي تجاه العظمة والمعرفة الإلهية ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً﴾ دلالة ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ لديه استعداد أن يرجع إلى ربّه بالتوبة، ويترك التعصّب.
١٠ - ارتباط الخطاب بما قبله لكون الآية المتقدّمة ختمت بأن كل عبد منيب يرى دلالة في الإعجاز الكوني، فهذه الآية تضرب مثلا داود لكونه أناب إلى ربّه، انظر قوله تعالى: ﴿وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ﴾ [ص ٢٤/ ٣٨]:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنّا فَضْلاً﴾ لحسن إنابته وتوبته ﴿يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ رجّعي معه التسبيح وردّديه، إشعارا أن ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلاّ وهو منقاد لمشيئته تعالى غير ممتنع على إرادته ﴿وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ من المعروف تاريخيا أن العصر البرونزي كان قد انتهى في فلسطين قبل عهد داود بزمن، ثم إن داود كان يستورد فلز الحديد إلى فلسطين خصيصا لصناعة الدروع، ولأغراض أخرى منها صناعة الأدوات المعدنية اللازمة للزراعة والحراثة، وهو معنى الآية، انظر [الأنبياء ٧٩/ ٢١ - ٨٠].