﴿وهنالك من المنافقين من قارب الكفر، أو هم عليه، يستمعون إلى خطاب الوحي استماع سخرية وهزء في حين يظهرون ويدّعون له الاحترام، والسبب تغليبهم الهوى على العقل، إذ ليس لأمثالهم استعداد في حقيقة دخيلتهم أن يقرّوا بإعجاز القرآن: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاِتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ﴾ (١٦)
أما منفتحو الذهن الذين لديهم استعداد لتفهم الحقيقة فإنّ الله تعالى يهديهم إليها: ﴿وَالَّذِينَ اِهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ﴾ (١٧)
وعندما تحين الساعة بغتة وتكشف الحجب لا يستفيد المنافقون والكفار من الذكرى لأن الإيمان يصير قسريا: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ﴾ (١٨) وأشراط الساعة تحققت ببعثة النبي الأحمد خاتم الأنبياء والرسل.
وبعدما نزل القرآن آن لكل فرد أن يوقن أنّ كل شيء ما خلا الله باطل، ويستغفر لذنوبه وذنوب المؤمنين والمؤمنات: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاِسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ﴾ (١٩)
بل إن المؤمنين الصادقين ينتظرون الأذن بالقتال دفاعا عن الدين ويتشوقون لذلك، أما ضعاف الإيمان والمنافقون فتزيغ أعينهم من الخوف عند نزول الإذن بالقتال - آية [الحج ٣٩/ ٢٢]- وقد كان الأولى لهم إبداء جدّيتهم واستعدادهم للدفاع والتضحية: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ * طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ (٢٠ - ٢١)