للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم معذورين في التولّي عن الرسول، لأنهم لا يريدون مساواة أنفسهم بالفقراء ظنّا منهم أنهم أعلى قدرا وأسمى فكرا، كما يعتبرون استعداء الآخرين في سبيل الحق والإصلاح ضربا من الحماقة، أما الحكمة والنجابة عندهم فتكمن في الاهتمام بالمصالح المادية والدنيوية والشخصية ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ﴾ لأنهم ضعاف العقول حقا إذ جعلوا الدنيا منتهى أملهم وأهملوا الآخرة ﴿وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ﴾ اختلطت عليهم الأمور بسبب اتباع الهوى والحرص على الدنيا.

﴿وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ﴾ (١٤)

١٤ - ﴿وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا﴾ يدّعون الإيمان نفاقا وهذا من جملة خداعهم ﴿وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ﴾ الشيطان في العربية بمعنى العنيد العاصي المتمرس في العناد، ويستعمل للانس والجنّ معا، وهو أيضا مشتق من قولهم تشيطن وشطن اذا ابتعد من الصلاح والخير، وفي هذه الآية بالذات تنصرف كلمة شياطينهم الى شياطين الإنس من أكابرهم الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم، وهم أكابر الكفار وأكابر المنافقين والماديين لأنهم هم الذين يقدرون على الإفساد في الأرض، وأما أصاغرهم فلا.

﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (١٥)

١٥ - ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ أي يجازيهم على استهزائهم، وسمّي جزاء الاستهزاء باسمه كما سمّي جزاء السيئة سيئة ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ الله تعالى يبقيهم ويلطف بهم ويمهلهم لعلهم يتوبون، فيأبون إلاّ التخبّط في ظلامهم، وفي حين أن العمى قد يكون في البصر أو الرأي، فإنّ العمه يكون في الرأي وهو التخبط والتحيّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>