والحياة الآخرة، وحقيقة الزمن، وعالم الملائكة والجن .. إلخ، لأن الحقيقة المطلقة ليست مقتصرة على الكون الذي «نلاحظه» بالحواس.
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ وهي الصفة الثانية للمتقين: لأنّ مجرد الإيمان النظري دون التطبيق العملي غير كاف للاستفادة من هدي القرآن، فالإسلام إيمان وعمل، والمقصود إقامة الصلاة على تمامها أي بما يترتب عليها من صالح الأعمال ومكارم الأخلاق وحسن المعاملة.
﴿وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ الصفة الثالثة للمتقين، فهم ليسوا أشحاء، ولا من عبدة المال والدنيا، بل مستعدون لإنفاق الزكاة والصدقات، ولا يتقاعسون عن التضحيات المادية في سبيل الإسلام، والرزق ليس الثروة فقط وإنّما هو العلم أيضا، فالانفاق بمعناه التجريدي يشمل التعليم ونشر المعرفة لمن رزقوا العلم والمعرفة، وفي الحديث:«تعلموا العلم وعلّموه الناس»، كما قد يكون الرزق نفوذا وسلطة وما يترتب عليهما من فرص يمكن أن تستخدم لخير المسلمين.
٤ - الصفة الرابعة للمتقين: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ والمغزى أنّ فهم القرآن والاستفادة من هديه متعذّر على من ينكر استمرارية الوحي الإلهي في هداية البشرية، فيمتنع الفهم عمّن يقتصر إيمانهم على أنبيائهم فقط رافضين الوحي الذي نزل خارج نطاق قومياتهم وعصبيتهم الضيقة ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ وإن كان الإيمان بالغيب قد شملها، خصّها تعالى بالذكر لجحود الكفار بها، ومنهم أكثر بني إسرائيل، وهي الصفة الخامسة للمتقين: أي اليقين بالبعث والحساب بعد موت الجسد، واليقين يفيد الاعتقاد الجازم الذي لا يشوبه الشك بأن نجاح الإنسان أو فشله لا يقاس بالازدهار الذي قد يحققه في الحياة الدنيا فقط، وإنّما بعاقبته في الحياة الآخرة، كما في قوله تعالى على لسان الجاحد: ﴿يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي﴾ [الفجر ٨٩/ ٢٤]، أي لحياتي الآخرة.