إذا أراد الصلاة مماثل الحكم المتغوّط الموجب للوضوء، أو المجامع الموجب للغسل، فبإمكان كل هؤلاء التيمّم عند فقدان الماء، والجمهور على أنه يجوز التيمم لهؤلاء إن كان وجود الماء مع تعذر استعماله، بسبب حرج كالمرض أو المشقة أو الضرر أو ندرة وجود الماء، مما يجعله كالمفقود ﴿صَعِيداً طَيِّباً﴾ الصعيد هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره والطيب هو النظيف الطاهر ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ تفصيل لكيفية التيمم وهو أمر تعبدّي محض الحكمة منه إبداء إذعان المرء وخضوعه لأمره تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً﴾ فمن عفوه تعالى أن أسقط وجوب الوضوء والغسل عن المريض وعن المسافر وعن المقيم في حال المشقة، وأباح لهم التيمّم تيسيرا.
٤٤ - بعد كل ما تقدم من توجيهات تنظيم الإسرة والمجتمع، تعود الآيات إلى الموضوع الرئيسي في القرآن الكريم وهو مسؤولية الإنسان عن أعماله، وبالذات مسؤوليته في التجاوب تجاه الهدي الإلهي الذي نزل على الأنبياء، لأن من سبق من الأمم، كاليهود، اكتفوا من الدين بالظواهر والمراسم، وتركوا الجوهر والهدف:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ﴾ الخطاب للنبي ﷺ ومن ثمّ لأمّته جمعاء، والذين أوتوا نصيبا من الكتاب هم في هذه الآية اليهود بدليل ما سيرد، والنصيب من الكتاب معناه أنهم لم يحفظوه بل أضاعوا ونسوا قسما منه، ثم إنهم لم يعملوا بالنصيب الذي بقي لديهم، انظر شرح الآية (٣)﴾ من سورة آل عمران ﴿يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ﴾ يشترون الزعامة الدنيوية ودنيا المادة ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ يخطّطون ويعملون لإضلال الآخرين، والسبب مذكور في آيات [البقرة: ٢/ ١٠٥، ١٠٩]، كان المسلمون شديدي الحرص على تألّف اليهود لكونهم