الطاغوت، ويظهرون الطاعة ويبيّتون غير ذلك، ويذيعون أخبار المسلمين وينشرون الشائعات، وقد نسب تعالى فعل الإركاس إلى ذاته العليّة لأنه نتيجة سنّته تعالى في حرية اختيار الناس لأعمالهم ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ﴾ المعنى ليس بإمكانكم تغيير سنة الله في خلقه، ولا تستطيعون إكراه الآخرين على الهدى، فقد أعطى تعالى حرية الخيار للناس بحيث يهتدي منهم من يختار الهداية ويضل منهم من يختار الضلال ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ أي لا سبيل إلى هداية من جحد نعمة العقل، ولم يستفد منها، خاصة أنّ القرآن خاطب العقول، ودلّ على البراهين التي تشير إلى وحدانية الخالق، ومن يتركه الله تعالى لحرية خياره في اتباع الضلال والتعامي عن الدلائل العقلية لا سبيل لردّه إلى الصواب.
٨٩ - ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا﴾ كاد المنافقون أن يكونوا كفارا، أو هم كفروا فعلا ﴿فَتَكُونُونَ سَواءً﴾ بلغ من تعصبهم في الكفر درجة يتمنون معها أن تصيروا كفارا مثلهم ﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ﴾ أي حلفاء أو أعوانا ﴿حَتّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ حتى يهاجروا لنصرة الإسلام تصديقا لما يزعمون من إيمان ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أعرضوا عن الإيمان وعن الهجرة ﴿فَخُذُوهُمْ وَاُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً﴾ وذلك إذا ظهر منهم الغدر، وجاهروكم بالعداوة السافرة، لأن هذا هو المقصود، إذ لم يعرف عن النبي ﷺ أنه قتل أحدا من المنافقين ما لم يبادر بالغدر والعدوان، وذلك واضح أيضا من الآية التالية التي تنهى عن قتل من كان معاهدا، أو تاركا القتال.