موسى ما حلّ بالجبل فخرّ صعقا، والصعق بمعنى الغشيّ وليس الموت، لأنه بعد ذلك أفاق ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ تأكيد على أن طلبه الرؤية لم يكن نابعا من عدم إيمانه وقوله ﴿أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بمعنى أكثرهم إيمانا وأولهم من قومه.
﴿قالَ يا مُوسى إِنِّي اِصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ (١٤٤)
١٤٤ - ﴿قالَ يا مُوسى إِنِّي اِصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي﴾ اختاره الله تعالى وفضله على الناس، لأن الصفوة هي النخبة، وقد اختصّه تعالى من دون الناس بأمرين: الرسالة، والتكليم بلا واسطة ﴿فَخُذْ ما آتَيْتُكَ﴾ من الوحي، أي تمسّك به واعمل به ﴿وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ بالقيام بما يتطلبه ذلك، من العلم والعمل.
١٤٥ - ﴿وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ﴿وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ موعظة من كل ما يحتاج إليه موسى وقومه في أمور دينهم، من المواعظ من جهة، وتفصيل أحكام الشريعة من جهة ثانية، ولعل الحكمة من كتابة الوحي في الألواح أن بني إسرائيل كانوا قوما بدائيين لا يؤمنون إلا بمشاهدة العين، ولم يكونوا ذوي رقيّ فكري أو روحاني، ولذلك كانت المعجزات المادية العديدة على يد موسى كفلق البحر وغيره مما تلمسه الحواس، ورغم ذلك فقد لقي موسى ﵇ منهم أشد العنت ﴿فَخُذْها بِقُوَّةٍ﴾ تمسّك بما كتبنا فيها، واعمل بها بعزيمة ونية صادقة ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها﴾ بعد أن ذكر تعالى أنه كتب لهم في الألواح من كل شيء، أمرهم أن يأخذوا ويعملوا بأحسن ما يستطيعون فهمه من معناها البديهي، بحسن نية وبلا تنطع، ولا تتبع للدقائق الصغيرة مما اشتهر به بنو إسرائيل، وبما يمنع المخادعة والفتاوى الملتوية واستخدام الحيل الشرعية مما اشتهر به أحبارهم وذوو النوايا السيئة منهم إلى اليوم، فإن الله