﴿فَاعْفُوا وَاِصْفَحُوا﴾ أيها المسلمون، والعفو ترك العقاب، والصفح هو الإعراض وترك اللوم، والمقصود توجيه المسلم ألا يغضب ولا يثور ولا يكون عدوانيا، بل يكون موضوعيا، لدى مناقشاته الدينية مع أهل الكتاب ﴿حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيأذن بنصرة دينه على من عاداه، عندما تأذن الحكمة الإلهية بذلك، وعندما يكون المؤمنون جديرين بالنصر بعملهم، كما سوف تبين الآية التالية، وشبيه بذلك قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة ٥/ ١٠٥]، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود ١١/ ١١٨].
١١٠ - ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ بعد أن أمر تعالى المؤمنين بالعفو والصفح عن أهل الكتاب، أمرهم بإصلاح أنفسهم باقامة الصلاة على حقها والتوجّه إلى الله تعالى والانقطاع اليه، ليجدوا في ذلك السكينة، وليوقنوا أن أمر الله آت ﴿وَآتُوا الزَّكاةَ﴾ لصلاح المجتمع ﴿وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ﴾ لأن عمل الخير يعود على أصحابه، وبارتقاء المجتمع، فيتحقق وعد الله لهم بحسب سنته تعالى في خلقه ﴿إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيثيبكم بحسب أعمالكم.
١١١ - ﴿وَقالُوا﴾ وهم أهل الكتاب المشار إليهم بالآية (١٠٩)﴾، ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى﴾ اليهود يعتقدون أن الهداية مقتصرة عليهم وانتهت بهم، والمسيحية من أتباع بولس مصرون على أن المسيح افتدى المؤمنين به من ربقة الخطيئة ﴿تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ﴾ ذلك من قبيل الأماني والتمنّي، حتى أقنعوا أنفسهم أنّ الوهم حقيقة ﴿قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ﴾ لأن البرهان على