للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن الله تعالى بعد أن وهب العقول لعباده أطال مكثهم في الدنيا، ولم يعاجلهم بالأخذ، لعلهم يتذكّرون ويتوبون: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ (٣٧)، بل إنه أنعم على عباده - بعد العقل - بالأدلة النقلية من الكتب السماوية ما يؤيّد العقل: ﴿وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ (٣٧)، لكن الاستكبار والمكر السيّئ وقف حائلا بين الحقيقة وبين منكريها: ﴿اِسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ (٤٣)، غير أنّ الله تعالى يمهلهم للحساب ولا يهملهم: ﴿وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً﴾ (٤٥).

﴿الْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (١)

١ - ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي موجدهما ومبدعهما على غير مثال سابق، وأصل الفطر الشق، كأنه تعالى شقّ العدم فأوجدهما ﴿جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً﴾ وسائط بينه وبين أنبيائه، والصالحين من عباده، يبلّغون إليهم رسالاته سبحانه، بالوحي وبالإلهام وبالرؤيا الصادقة ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ﴾ قد تكون إشارة إلى الوسائل المتعددة التي بواسطتها تنفذ مشيئته تعالى في الكون ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ﴾ لأن الخلق في تغيّر وتجدّد دائمين ﴿إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لا يخرج عن إرادته شيء.

﴿ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (٢)

٢ - ﴿ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ﴾ يطلقها ويرسلها ﴿فَلا مُمْسِكَ لَها﴾ لا أحد يقدر على منعها ﴿وَما يُمْسِكْ﴾ من رحمة أو غيرها ﴿فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ فلا أحد يقدر على إرسالها ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب على كل ما يشاء من

<<  <  ج: ص:  >  >>