٥٤ - ﴿وَمَكَرُوا﴾ وهم اليهود الذين أحسّ عيسى منهم الكفر، قاموا بالتخطيط لقتله عن طريق اتهامه لدى الحاكم الروماني «بيلاطس» بالكفر والتحريض على الشغب ﴿وَمَكَرَ اللهُ﴾ بالتدبير الخفي المؤدّي بهم إلى ما لا يحتسبون ﴿وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ بتدبيره الذي يخفى على عباده.
٥٥ - ﴿إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ أي مستوفي أجلك في هذه الدنيا، لأنّ أصل التوفي في اللغة هو أخذ الشيء وافيا، ثم استعمل بمعنى الموت، انظر آية [الزمر: ٣٩/ ٤٢]، ﴿وَرافِعُكَ إِلَيَّ﴾ كانت فرصة بني إسرائيل الأخيرة أن بعث لهم تعالى نبيّن في وقت واحد، وهما عيسى ويحيى ﵉، فقتلوا يحيى كما قتلوا غيره من الأنبياء من قبل، انظر شرح الآية (٢١)﴾، ثم تآمروا على قتل عيسى المسيح ﵇ فرفعه تعالى إليه، والرفع بمعنى الاستدعاء، كما تستدعي الدول سفراءها عندما تنتهي مهمتهم، أو عندما تصبح المهمة التي بعثوا من أجلها غير ذات جدوى، والمعنى أن فرصة بني إسرائيل في التوبة والإصلاح والتصديق بالمسيح فاتتهم بسبب عنادهم، فرفع تعالى المسيح إليه ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي من وجودهم، بعد أن لم يعد هنالك فائدة ترجى من وجود المسيح فيهم ﴿وَجاعِلُ الَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ وهم المسلمون لأنهم الأتباع الحقيقيون لعيسى ابن مريم، وهذه نبوءة بالغيب، أي إن عقيدة المسلمين ظاهرة فوق غيرها إلى يوم القيامة، بالحجة والإقناع، وليس بالقهر والسيطرة ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ وهو الاختلاف بين المسلمين وبين المسيحية الذين ابتدعوا ألوهية المسيح، وبين اليهود الذين كفروا ببعثة المسيح كليّة ثم أنكروا بعثة خاتم الأنبياء والرسل محمد ﷺ، فيتبيّن للجميع يوم القيامة الحق من الباطل.