٣٥ - بعد أن بيّن تعالى عذاب الكفار في الدنيا والآخرة أتبعه بذكر ثواب المتقين: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ المثل لأن حقيقة الجنة في علم الغيب ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها﴾ قال الزمخشري: ذلك تمثيل لما غاب عنّا بما نشاهد، أي بما نعرفه من المحسوس ﴿تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اِتَّقَوْا﴾ فيما أعدّه تعالى لهم من النعيم ﴿وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النّارُ﴾ كنتيجة طبيعية لما كانوا عليه في دنياهم.
٣٦ - ﴿وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ﴾ يحتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن الكريم، أو التوراة والإنجيل، والمقصود الذين أوتوا فهم الكتاب ﴿يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ من القرآن لما عرفوا فيه من الحق والاستنارة ﴿وَمِنَ الْأَحْزابِ﴾ من أتباع الديانات الأخرى ﴿مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ ينكرون بعض القرآن ما لا يوافق كتبهم ولا يستطيعون إنكار بعضه الآخر لأنه مصدّق لما بين يديهم من الكتاب ومهيمن عليه، فهو يغربل الصحيح في كتابهم من الزائف بما لا يستطيع إنكاره إلا المكابر ﴿قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ﴾ وحده ﴿وَلا أُشْرِكَ بِهِ﴾ شيئا، وقد تكون هذه إشارة إلى التثليث عند المسيحية ﴿إِلَيْهِ أَدْعُوا﴾ إلى عبادته ﴿وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ إشارة إلى الحشر والنشور والحساب.
٣٧ - ﴿وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ﴾ أي كما أنزلنا الكتب على الأنبياء بلسانهم، أنزلنا عليك القرآن ﴿حُكْماً عَرَبِيًّا﴾ لكي يفهمه العرب أولا ومن خلالهم العالم أجمع لأنهم واسطة الوحي، ولأن الله لم يبعث نبيا إلا بلسان قومه ليبيّن لهم [إبراهيم