مراحل بعثة نوح: فالآية (٥٩) تلخص بعثة نوح ودعوته، والآية (٦٠) تبيّن رأي قومه في الدعوة وتكذيبهم إياه، والآيات (٦١ - ٦٣) تلخص حجج نوح على قومه، وأخيرا تبين الآية (٦٤) إصرار الكفار على موقفهم وعاقبة تكذيبهم، وهو المغزى المقصود، أما معاناة نوح الطويلة مع قومه فقد وردت في سورة هود، ويلاحظ التشابه الكبير بين بعث الرسل ﵈ وبين بعثة النبي ﷺ، فالرسل جميعا تلقوا الرفض والاضطهاد، وتحمّلوا المعاناة من أقوامهم، كما تشابهت الاعتراضات ضدّهم، وصبروا جميعا حتى كانت العاقبة بهلاك الكفار ونصر الرسل على أعدائهم.
﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ (٦٥)
٦٥ - ﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً﴾ أي وأرسلنا إلى قوم عاد نبيّهم هود - وهذه القصة الثانية - والمقصود من كونه أخاهم أنه منهم، والعرب تسمّي رجل القوم أخاهم، كقولهم أخا العرب، وقوم عاد سكنوا الأحقاف وهي الواقعة بين حضرموت وعمان، وانتشر سلطانهم على البلاد من حولهم حتى بلغ الخليج الفارسي شرقا والبحر الأحمر غربا، وقيل امتد سلطانهم شمالا حتى الشام، وقيل حتى العراق، وبلغت حضارتهم في وقتها مبلغا عظيما حتى وصفها تعالى بقوله:
﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ﴾ [الفجر ٨/ ٨٩]، ﴿قالَ يا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾ كلّفهم بالعبادة وأمرهم بالتوحيد، وهي كدعوة نوح وبقية الرسل لأقوامهم ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ عواقب الشرك والفساد، وهي الهلاك العاجل أو الآجل.
٦٦ - ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ أي المصرّون على الكفر منهم، وسيرد في الآية (٧١)﴾ أنهم لن يؤمنوا في المستقبل ﴿إِنّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ﴾ اتهموه بضعف العقل لأنه نهاهم عن عبادة آلهتهم وأوثانهم ﴿وَإِنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ وأضافوا عليه ظنّ الكذب لادعائه أنه رسول من الله.