للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنالك مقارنة واضحة بين آخر سورة الأنفال في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال ٧٥/ ٨]، وبداية سورة التوبة بقوله: ﴿بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة ١/ ٩]، أي على النقيض من كون جماعة المؤمنين المهاجرين المجاهدين منكم، فإنّ المشركين الذين نقضوا عهودهم معكم برآء منكم.

وفي بداية سورة التوبة قوله تعالى: ﴿بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة ١/ ٩]، إشارة أيضا لقوله تعالى في سورة الأنفال المتقدّمة:

﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ * فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنفال ٥٥/ ٨ - ٥٧]،

[محور سورة التوبة]

بيان قاعدة مهمة في الدعوة وطريقتها وأن التقليد غير كاف في الدين، وأن لا بد من النظر والاستدلال والحجة والدليل، ولذا وجب إمهال المشركين لأجل التفكر بعد أن يسمعوا القرآن: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ (٦)،

وأنه لا يمكن المساواة بين الشكليات وبين الجوهر، بين مجرّد القيام بالشعائر مهما كانت فاضلة، كونها مقتصرة على الشكل والمظهر، وبين الإيمان اليقيني والجهاد والتضحية، وعلى أية حال فإنّ سقاية الحاج وعمارة المسجد إنّما توجب الفضيلة إذا صدرت عن المؤمن، أمّا إن صدرت عن غير المؤمن فلا يستفيد منها: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ (١٩)،

<<  <  ج: ص:  >  >>