للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل للكذب إفك، لأنه مقلوب عن وجهه، وقوله ﴿ما يَأْفِكُونَ﴾ أي ما يصرفون الأمور عن حقيقتها، وهو أن السحرة جعلوا الناس يتخيلون الحبال والعصيّ أنها تتحرك وتسعى، أما العصا فهي ﴿تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ﴾ أي تتناوله وتزيله بسرعة وتظهر بطلانه، وقد ذكر الشيخ رشيد رضا في المنار عن الشيخ محي الدين بن عربي أنه ترتب على إلقاء عصا موسى أن رأى الناس تلك الحبال والعصيّ على حقيقتها لا تسعى ولا تتحرك، ولو أنها ابتلعتها - كما يظن البعض - لبقي الأمر ملتبسا على الناس، ولكان قصارى ما في الأمر أن كلاّ من السحرة وموسى قد أظهر أمرا غريبا كان أحدهما أقوى من الآخر فأخفاه على وجه غير معلوم، ولكن عصا موسى أزالت أحابيل السحرة بسرعة وهو معنى اللقف، والخلاصة أن السحر العظيم الذي جاء به السحرة لم يكن سوى إفكا، أي خيالا وكذبا ليس من الحقيقة في شيء، وقد نصّت الآية أنّ عصا موسى قد لقفت الإفك وأبطلته - ولم تلقف الحبال والعصي -، والدليل قوله تعالى: ﴿فَلَمّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس ٨١/ ١٠].

﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (١١٨)

١١٨ - ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ أي ظهر الحق وتبيّن ووقع مكان الباطل فأزاحه ﴿وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من السحر، لأنّ السحر في حقيقته باطل غير ذي فعل حقيقي.

﴿فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَاِنْقَلَبُوا صاغِرِينَ﴾ (١١٩)

١١٩ - ﴿فَغُلِبُوا﴾ والكلام عن فرعون والملأ الذين معه، لأن موقف السحرة كان مختلفا كما سوف يرد في الآية التالية، ولم يقل غلبهم موسى، لأن ذلك لم يكن من صنع موسى أو حذاقته وإنما كان من الله تعالى، وقوله ﴿هُنالِكَ﴾ أي في ذلك المجمع العظيم الذي ضمّ كبار القوم وغيرهم من الناس الذين حشروا ضحى في يوم عيد لهم وزينة من مواسمهم، حيث ضرب لهم موسى موعدا في

<<  <  ج: ص:  >  >>