أحبارهم ليس بها أي ذكر للآخرة باستثناء سفر دانيال، ومن شأن هذا الإنكار أن تحبط أعمالهم، أي يبطل ثوابها، فهي بلا جدوى ولا يستفيدون منها ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ جزاؤهم مرتبط بأعمالهم.
١٤٨ - ﴿وَاِتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ﴾ من بعد ذهاب موسى لميقات ربّه ﴿مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ﴾ وردت الإشارة لعبادة العجل الذهبي في آية [البقرة ٥١/ ٢]، كما وردت بمزيد من التفصيل في سورة طه [٨٣/ ٢٠ - ٩٧]، ويلاحظ أنه في كل مرة تذكر فيها القصة لا يتم إيراد سوى النقطة أو النقاط الملائمة للموضوع، ولإظهار العبرة أو العبر المناسبة للسياق، وهو ما يلاحظ في جميع القصص في القرآن، لأنّ القصص في القرآن الكريم لا ترد لمجرد التأريخ أو الرواية، وفي هذه الآية نلاحظ المفارقة الحادة بين اعتكاف موسى على الجبل وروحانيته المتناهية وابتهاله إلى الله، وبين فساد قومه وماديتهم وعبادتهم العجل الذهبي في غيابه، وقد كانوا صهروا بعض الحليّ التي أحضروها معهم من مصر وصنعوا منها عجلا ذهبيا اتّخذوه معبودا، ويبدو أن الخوار، وهو صوت العجل، كان يصدر عند هبوب الرياح من خلال جسد العجل المفرّغ، وقد حاولوا بذلك تقليد العجل إبيس Apis في معبد الإله المصري عزيريس Osiris في العاصمة المصرية ممفيس، لشدة تأثرهم بالوثنية المصرية، وقد رأى الألوسي في روح المعاني أنّ كثيرا من الناس اليوم عبيد للذهب والدينار والدرهم، فهي العجل المعنوي لهم، وإن لم يسجدوا لها ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً﴾ فلا يستجيب العجل لعبادتهم، ولا يبيّن لهم الحق من الباطل ﴿اِتَّخَذُوهُ﴾ معبودا ﴿وَكانُوا ظالِمِينَ﴾ لأنفسهم، لأن عاقبة الضلال تعود عليهم لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها﴾ [الإسراء ١٥/ ١٧].