بحرية، ويقيموا شعائر الإسلام، ويؤخذ من سبب وجوب الهجرة في زمن البعثة، أنها تجب في كل زمان ومكان بمثل ذلك السبب، أي أنه لا يجوز للمسلم أن يقيم في بلد لا يستطيع فيه إقامة شعائر الإسلام بحرية، ولا يستطيع التصريح بما يعتقده قولا وكتابة، مما يعرضه للأذى وللاضطهاد ﴿وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ مفهوم الجهاد أوسع من معنى القتال لأنه يشمل تكريس الفكر والنفس والمال لخدمة الدين ونشر الدعوة سواء بالقول أو الكتابة أو الجهد ﴿أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ﴾ هم أجدر أن ينالوا ما يرجون من رحمة الله، لأنهم عملوا لها بكل ما استطاعوا، أما طلب المنافع ودفع المضار من غير عمل، فليس رجاء، بل تمنّيا وغرورا ﴿وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ للتائبين المهاجرين المجاهدين.
٢١٩ - انتقال الآيات (٢١٩ - ٢٤٥) إلى جوانب من التشريع متعددة:
﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما﴾ ذكر تعالى الإثم أوّلا، والمنافع ثانيا، لرجحان إثم الخمر والميسر على منافعهما المادية، وهذه قاعدة فقهية هامة أن ما كان إثمه أكبر من نفعه فيجب الاجتهاد باجتنابه، كما يفهم منها أيضا أن الأحكام الاجتهادية التي لم تثبت بالنص القطعي لا تجعل تشريعا ملزما، لأن النبي ﷺ لم يلزم الأمّة بتحريم الخمر والميسر بعد نزول هذه الآية، إلى أن نزل النص القطعي بتحريمهما في سورة [المائدة ٥/ ٩٠ - ٩١]، ومن هنا يعرف سبب تساهل السلف في المسائل الخلافية، وعدم تكفير أحدهم لمخالفيه، لأنّ الاجتهاد يلتزم به فقط من ظهر له صحة دليله، ولا يعد شرعا يلزم به غيره من الناس (المنار)، ﴿وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ العفو هو الزيادة عن الحاجة الذي لا يرهق المرء إذا تصدّق به، وفي الحديث:«خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول»