١٤٢ - ﴿سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ﴾ وهم اليهود ﴿ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها﴾ كان النبي ﷺ في مكة يصلّي تجاه الجدار الجنوبي للكعبة متجها شمالا، مستقبلا الكعبة وبيت المقدس معا، ولمّا هاجر إلى المدينة استمرّ في التوجه شمالا لحوالي ستة عشر شهرا حتى نزل الوحي بالتوجّه نحو الكعبة، فامتعض يهود المدينة، والآية تشير إليهم، فمن وجهة نظر قرآنية لم يكن هنالك تغيير لوجهة القبلة لأنّ الآية (١٤٤) هي أوّل ما نزل بتعيينها، وهنالك تسلسل بين الآية (١٤٢) والآيات التي سبقتها من حيث إنّ إبراهيم هو الذي بنى الكعبة ﴿قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ تنبيه لضعاف العقول والمغرضين الذين يعلّقون أهمية شكلية على جهة الصلاة، كما لو كان تعالى في جهة معينة فقط، في حين أنّ الذين يتقبّلون الهدي الإلهي من ذوي العقول الموضوعية يترفّعون عن الخوض في الشكليات لأنهم يفهمون جوهر الدين ﴿يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي يهدي من يشاء الهداية فيوفّقه إلى ذلك.
١٤٣ - ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ كذلك ببعث خاتم الأنبياء جعلناكم أمة وسطا، وكذلك جعلنا القبلة في مكة بدلا من القدس بعد إزاحة بني إسرائيل من القيادة الروحية للعالم وإحلال أمّة محمد ﷺ مكانهم ﴿جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ بأن يكون المسلمون أمّة تحافظ على الاتزان والاعتدال بين النقائض، في كل نواحي الحياة، فالأمة واقعية في نظرتها لطبيعة الإنسان والوفاء