برغباته، وفي نفس الوقت ترفض الفسوق وعدم الالتزام المطلق، كما ترفض المبالغة في الزهد والتنسّك، والقرآن يحذّر المسلمين من المبالغة في التركيز على النواحي المادية في الحياة، ولكنه في الوقت ذاته يبيّن أن النزعات والرغبات البشرية للمرء طبيعية ويجب إرضاؤها وفق الشريعة، وأن ليس من تناقض بين الجسد والروح ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ﴾ الغرض من جعل المسلمين أمّة وسطا أن تكون الأمة قدوة للناس أجمعين في أعمالها وسلوكها فتحقق العقيدة الإسلامية قولا وعملا، بممارسات حياتية عملية تكون في ذاتها قدوة للناس، وبالتالي دعوة عملية إلى الإسلام، وتكون حياتهم شهادة فعلية لبيان الصواب من الخطأ ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ كما كان الرسول قدوة لكم بأعماله وسلوكه وأخلاقه ودعوته،
إنّ هذا التكريم الذي حظي به المسلمون أن يكونوا شهداء على الناس، هو في الوقت ذاته مسؤولية ضخمة لقيادة العالم أجمع عن طريق القدوة بالأعمال الحسنة والخلق الصحيح قولا وعملا، وكما نقل الرسول ﷺ الرسالة إلى المسلمين فهم بدورهم يتحملّون مسؤولية نقلها إلى باقي الناس بالقدوة الحسنة، وإذا قصّروا في ذلك فإنّ الزعامة الروحية التي أو كلت إليهم تكون وبالا عليهم، كما كانت على بني إسرائيل، فهي ليست مجرّد زعامة معنوية وإنّما مسؤولية ثقيلة يحاسبون عليها ﴿وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها﴾ أي التي كنت تتّبعها ﴿إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ لكي يتمّ، وفق سنن الأسباب والمسبّبات، فرز الذين سيطرت عليهم عصبيتهم القومية وغلو النسبّ من الذين تحرروا من هذه التوجهات الجاهلية وارتفعوا إلى المستوى الذي يمكّنهم من رؤية الحقيقة ﴿وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ﴾ كان اختبارا صعبا على الكثيرين ممّن سبق أن ربطوا التوجه نحو بيت المقدس برسالات الأنبياء السابقين، ولكنّ أقوياء الإيمان لم يجدوا صعوبة في قبول ذلك،