للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿أَمْ تَسْئَلُهُمْ﴾ على البلاغ والإرشاد ﴿أَجْراً﴾ دنيويا ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ﴾ من غرامة مالية ﴿مُثْقَلُونَ﴾ (٤٦)، أي مرهقون بثقل الغرامة؟ والمعنى أنك - أيها النبي أو أيها المؤمن - لا تسألهم أجرا على البلاغ والدعوة.

أم يظنون أنهم محيطون بعلوم الغيب، أم أنهم لغرورهم يظنون أن أسرار الكون قاربت أن تكون في متناولهم بنتيجة تقدمهم العلمي والتقني: ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ (٤٧)

ثم تحض السورة النبي ومن ثمّ كل مؤمن - أن لا يستسلم لليأس من سلوك الكفار، كما يئس يونس من دعوة قومه:

﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ (٤٨) ونداؤه قوله: ﴿لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء ٨٧/ ٢١ - ٨٨]،

﴿لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ (٤٩ - ٥٠)، وفيه إشارة لقوله تعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [الصافات ١٤٣/ ٣٧ - ١٤٥].

وأن الكفار كلّما سمعوا القرآن الكريم يتلى عليهم من النبي يكادون يزلقونه عن ثباته بعين الشر والبغضاء والعداوة: ﴿وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ ويتهمونه بالجنون:

﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ (٥١)

في حين أن القرآن الكريم ليس سوى النقيض الأكبر لذلك: ﴿وَما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ (٥٢) يذكّر الناس بالفطرة السليمة،

فالجنون الحقيقي في المكذّبين: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦)﴾ وهي النقطة التي بدأت منها السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>