١١٦ - بعد أن ذكر تعالى الصالحين من أهل الكتاب وأنهم لن يحرموا ثواب ما يعملون من خيرات أتبعه في هذه الآية بذكر عاقبة المصرّين منهم على الكفر فقال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً﴾ لن تفيدهم شيئا ﴿وَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ لأن طبيعة نفوسهم اقتضت أن يكونوا بهذه المنزلة.
١١٧ - ﴿ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ﴾ الصرّ هو الصقيع، والحرث هو الزرع، وقد ضرب تعالى مثلا بالريح ذات الصقيع التي تهلك الزرع - والمعروف أن هبوب الريح في الأوقات الباردة يسبب المزيد من الصقيع -، فالريح هي المال الذي يبذّره الكافرون على الدنيا وعلى الجاه والضلال، والصقيع بمثابة الكفر الذي يهلك العقل والفكر السليم، أي إن الغنى وتكاثر الأموال والأنفس أصاب عقولهم بالثمالة، فكما أن الريح مع الصقيع تهلك الزرع فكذلك الإنفاق مع الكفر يهلك العقل السليم والفكر الصحيح، لأنه يصرف العقول عن الحقيقة وعن التفكر في عواقب الأمور ﴿وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ لأن كثرة الأموال والنسل لم تفد الكفار شيئا سوى الضلال وفساد العقل، وقد ظلموا أنفسهم باختيار الكفر.