للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرضه الأحبار لأنهم كانوا ذوي نفوذ كبير على العوام حتى اتّخذوا لأنفسهم حق التشريع والتحليل والتحريم، قال تعالى: ﴿اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ﴾ [التوبة: ٩/ ٣١]، فاليهود كانوا يعتمدون أقوال الأحبار والرهبان من أحكام التحريم والتحليل ولو كان في أصل الكتاب ما يخالفها، حتى صارت عندهم بمنزلة الوحي، ولذا كانت عقوبته تعالى لهم، وهي معنى قوله ﴿جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ،﴾ والجزاء من سنن الله في خلقه، بأنه من يسلك طريق الضلال يقع في عاقبة عمله، وبما أنه تعالى قد سنّ قوانين الطبيعة بأكملها فهو ينسب التحريم وما يترتب عليه من معاناة إلى ذاته العليّة، أما قوله تعالى في سورة النساء ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً﴾ [النساء: ٤/ ١٦٠]، فالدليل من سياق الآيات أن تحريم الطيبات لم يكن في أصل التوراة وإنما أحدثوه بعد محاولتهم قتل المسيح ، وقد جاء المسيح ليحلّ لهم بعض ما حرّموه على أنفسهم، قال تعالى على لسان عيسى مخاطبا بني إسرائيل: ﴿وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ٣/ ٥٠]، وقد ذكر محمد أسد أيضا أن تحريم الطيبات عليهم ليس مقتصرا على الطعام وإنما هو كناية عن وقوعهم تحت قهر الأمم وتشريدهم في الأرض بعد أن صدّوا عن سبيل الله كثيرا وقتلوا يحيى وتآمروا على قتل عيسى المسيح ، ثم تآمروا أيضا على قتل النبي .

﴿فَمَنِ اِفْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ (٩٤)

٩٤ - ﴿فَمَنِ اِفْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ﴾ أي بعد نزول التوراة ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ ادّعى اليهود أنّ ما ابتكروه من تحريم بعض الأطعمة ليس إلاّ قانونا سماويا أزليا، ولكنه في حقيقته لم يكن سوى افتراء الكذب على الله، والمفترون عادة ينهمكون في الجزئيات وصغائر الأمور والتفاصيل والتفاهات والشكليات، إما ليصرفوا الناس عن دينهم، وإما لغايات شخصية في نفوسهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>