للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فكان يقين إبراهيم بالهداية الإلهية نابعا من فطرته السليمة: ﴿إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ (٢٧)،

ثم جعل تعالى كلمة الإسلام باقية في ذرية إبراهيم لعلهم ينبذون التقليد ويرجّحون العقل: ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (٢٨)،

ولم يكن تعالى ليحاسب الناس على ضلالهم قبل أن يبين لهم الصواب من الخطأ، والخير من الشر، فأنزل القرآن على لسان رسوله محمد : ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ (٢٩)،

فلما انبهرت به قريش زعمت من إعجازه أنه سحر: ﴿وَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كافِرُونَ﴾ (٣٠)،

ولشدة ترفهم زعموا أن لو كان هذا القرآن وحيا إلهيا لكان الأجدر به أن ينزل على رجل عظيم من وجهاء مكة أو الطائف، لا على رجل مثل محمد ليس له من الثروة ولا الزعامة في قومه: ﴿وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (٣١)،

مع أنه تعالى قسم المعايش بين الناس وجعل من سنن الحياة ونظامها أن يكون كل فرد مسخّر للآخر، فليس أحد مستغنيا عن أحد، فمن باب أولى أن ليس بطاقتهم ولا من اختصاصهم تحديد منصب النبوة، وأن رحمته تعالى التي يختصّ بها بعض عباده في الدين خير من أموال الدنيا الفانية التي يحرص الآخرون على جمعها: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ (٣٢)﴾، وفي العبارة: ﴿وَرَحْمَتُ رَبِّكَ﴾ التي تكررت مرتين في الآية إشارة لقوله: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء ١٠٧/ ٢١]، وإشارة للوحي القرآني: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>