جماعة أخرى من المؤمنين ﴿فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ﴾ أي من ينهزم من القتال إلاّ لأحد الغرضين المذكورين، فإنه يرجع بغضب من الله ﴿وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ بدلا من أن يأوي إلى السلامة والأمان كما يظن، يكون قد أوى إلى جهنم، والآية دليل على أن الفرار من الزحف يعتبر من الكبائر، وقد وردت الأحاديث الشريفة بذلك.
١٧ - بعد أن نهى تعالى المؤمنين عن الفرار من الزحف، بيّن لهم في هذه الآية أنهم إن ثبتوا يؤيّدهم بتوفيقه: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾ يوم بدر ﴿وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ﴾ لأن قتل الكفار تيسّر بمعونة الله ونصره وتأييده وتوفيقه، فلا مجال لفخر المؤمنين بذلك، خاصة بعدما ظهر من فريق منهم الفزع وكراهة الخروج للقاء العدو ومجادلتهم النبي ﷺ كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، فلو بقوا على تلك الحال من ضعف المعنويات على قلة عددهم وعدّتهم لكانت هزيمتهم محققة ﴿وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى﴾ والخطاب للنبي ﷺ، ذكرت روايات عديدة أن النبي ﷺ تناول قبل المعركة قبضة من الحصباء أو التراب ورماها تجاه المشركين قائلا "شاهت الوجوه" أي قبحت، فكان ذلك إيذانا ببدء القتال وهزيمة الكفار، قال القرطبي إن تقدير الخطاب: وما رميت الفزع والرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء ولكن الله رمى، فقد كان ذلك بنصر الله وتوفيقه، وقد تكون الإشارة لاشتراك النبي ﷺ في القتال فعليا، ورميه الكفار بالنبال ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ﴾ تعالى ﴿بَلاءً حَسَناً﴾ أي نعمة عظيمة، لأنّ البلاء هو الاختبار، واختباره تعالى لعباده يكون تارة بالمحن وتارة بالنعم، ففي وقعة بدر ابتلى تعالى المؤمنين بنعمة النصر العظيمة ﴿إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لدعاء المؤمنين ﴿عَلِيمٌ﴾ بحالهم.