أولا: بلاغ وإنذار الكفار الذين يرفضون الوحي القرآني، لقوله ﴿لِتُنْذِرَ بِهِ﴾ أي بالكتاب المنزل.
وثانيا: تذكير المؤمنين كي يهتدوا بهداه، لقوله ﴿وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ليكون القرآن ذكرى للمؤمنين، وهكذا يعود الضمير في ﴿مِنْهُ﴾ إلى الإنذار والتذكير،
فيكون تقدير الخطاب: كتاب أنزل إليك لتنذر به، وليكون ذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج من الإنذار والتذكير، أما سبب تقديم النهي عن الحرج، على الإنذار والتذكير، فقد ذكر الرازي أن الإنذار والتذكير لا يتم إلا إذا انتفى الحرج من الصدر أوّلا، والمعنى لا يضيق صدرك من تكذيب المكذبين، ومن المهم ملاحظة وصف القرآن بأنه ذكرى، من حيث إنه تذكير بالميثاق المأخوذ على بني آدم، المذكور في الآية (١٧٢) من هذه السورة،
﴿اِتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ﴾ (٣)
٣ - انتقال الخطاب من الرسول والدعاة، إلى الناس عامة: ﴿اِتَّبِعُوا﴾ أيها الناس ﴿ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ من الوحي القرآني ﴿وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ﴾ من البشر فتولّوهم أموركم وتطيعوهم بحسب هواهم، وفي التحليل والتحريم وفي الابتداع، ولا تتخذوا من البشر آلهة ولا قدّيسين ولا باباوات كما فعل النصارى، ولا تتخذوا منهم أولياء متوهمين أنهم بصلاحهم يقربونكم إلى الله زلفى، ولا تعتقدوا، أيها المؤمنون، أنّ آراء العلماء ملزمة للناس فتلتزموا بها كما لو كانت قرآنا منزلا أو سنّة نبوية، فالعلماء والأمراء لا يتّبعون لذواتهم وآرائهم، ولكنّ الاتّباع هو للقرآن والسنة حسب علمهم وتفسيرهم وشرحهم، وما على العلماء إلاّ بيان ما أنزل الله وتبليغه وإرشاد الناس لفهمه ﴿قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ﴾ أي ما أقل تذكّركم لهذه الحقيقة، وما أكثر اتخاذكم أولياء من دون الله،