ولذلك سمّوا أهل الذمّة، وفي جميع الأحوال يلاحظ أن مقدار الجزية رمزي وهو أقل بكثير من نسبة الزكاة التي يدفعها المسلمون.
قال الرازي: وإنّما خصّهم تعالى بقبول الجزية لأنهم في الظاهر ألصقوا أنفسهم بموسى وعيسى، وادعوا أنهم يعملون بالتوراة والإنجيل، فلأجل تعظيم هذين الرسولين المعظمين وكتابيهما، حكم تعالى بقبول الجزية منهم، وإلا ففي الحقيقة لا فرق بينهم وبين المشركين.
٣٠ - الآيات (٣٠ - ٣٤) شرح وتفصيل لقوله تعالى عن أهل الكتاب في الآية السابقة أنهم لا يدينون دين الحق: ﴿وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ اِبْنُ اللهِ﴾ عزير هو عزيريس أو أوزيريس Osiris وهو إبن الشمس الإله "رع" عند قدامى المصريين، وقد انتقلت عبادته إلى سورية تحت اسم أدونيس، وعند الإغريق صار اسمه ديونيسس، وعند الرومان باكوس، والخلاصة أنه كان من تأثر اليهود بديانة قدامى المصريين أن انتكسوا للوثنية مرات عديدة وقدّسوا عزيريس وزعموا أنه ابن الله كما هي عقيدة الفراعنة.
وقيل أيضا إنّ عزير هو أحد أنبياء اليهود Ezra ويحتل مكانة عليّة جدا ومبجّلة عندهم وينسبون إليه إعادة كتابة التوراة بعد ضياعها، وقد استخدم محرّرو العهد القديم تعبير ابن الله أو أبناء الله بكثير من الخفة والحرية، وحتى لو كان هذا التعبير عندهم رمزيا مجازيّا فقد أدانه القرآن الكريم لما ينشأ عنه من الانحراف نحو تفسيره حرفيا كما فعل النصارى:
﴿وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ اِبْنُ اللهِ﴾ وهي العقيدة التي ابتدعها بولس وأدخلها في النصرانية، راجع شرح آية [آل عمران ٧٨/ ٣] ﴿ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ﴾ هو مجرّد كلام من عندهم، لا يعضده برهان، وليس كل ما يقال يعتدّ به ﴿يُضاهِؤُنَ﴾ أي يضاهي قولهم في الكفر والشناعة ﴿قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ﴾