للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٨/ ١١]، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ [الأنفال ٦١/ ٨]، وقوله تعالى: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة ٨/ ٦٠]،

فالحروب لمحض البغي والعدوان والعصبية ولحظوظ الدنيا وشهواتها، أو لغرض الانتقام والأحقاد الدينية كالحروب الصليبية، أو لأجل الاستيلاء على ثروات الشعوب وتسخيرهم كحروب الاستعمار، كل هذه الحروب محرمة في الإسلام، وإنّما شرع القتال في الإسلام للدفاع عن الحق وأهله ولحماية الدعوة، ويلاحظ في سيرة النبي أنه ما قاتل المشركين إلاّ دفاعا،

﴿عَنْ يَدٍ﴾ اليد رمز السلطة، فيكون المعنى أن دفع الجزية رمز لقبولهم سلطة المسلمين، ومبلغ الجزية لم يكن محددا ولا ثابتا، بل كان رمزيا وتعبيرا عن قبولهم سلطة الإسلام ﴿وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ غير متكبّرين، راضون بحكم الإسلام، لأنّ الصغر ضد الكبر، قال تعالى عن فرعون والملأ ممّن معه بعد أن أفحمهم موسى بمعجزاته: ﴿فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَاِنْقَلَبُوا صاغِرِينَ﴾ [الأعراف ١١٩/ ٧]،

ومن مقاصد الجزية أيضا مساواة أهل الكتاب مع المسلمين في واجب الدفاع عن الدولة، ففي حين كون المسلم مكلفا بالقتال مع جيوش المسلمين لا يمكن توقع ذلك من غير المسلم لأن الدولة دينية، والقتال يتم عن عقيدة وإيمان، فالدولة تعفي غير المسلم من الاشتراك في الدفاع عنها مقابل الجزية، وهذا هو معنى الكلمة، لأنّ الجزية مشتقة من الجزاء أي المقابل، والمعنى أن غير المسلمين يدفعون الجزية للمسلمين جزاء الحماية لهم أي مقابل إعفاءهم من التجنيد، فهي بالتعبير المعاصر "بدل التجنيد"، ولذلك كانوا لا يطبقونها إلا على الأفراد الذين يصح تكليفهم العسكري، فتعفى منها النساء، كما يعفى الذكور الذين لم يبلغوا الرشد، ويعفى العجائز والمرضى والمعاقون، والكهنة والأحبار، كما أنه بنتيجة دفع الجزية يصبح غير المسلم ذمّيا أي يكون في ذمّة المسلمين، أي في أمانهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>