١٨٧ - ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾ الخطاب متعلق بما ورد في الآيتين (١٨٣ - ١٨٤) حيث اختلق اليهود الأعذار لتكذيب اليهود للنبي ﷺ، والمقصود أنه تعالى أخذ الميثاق الذي أخذه أنبياؤهم عليهم أن يبيّنوا الكتاب للناس، بما فيه النبوءات عن قدوم النبي الأحمد خاتم الأنبياء والرسل، ولكنهم لم يكتفوا بعدم بيانه للناس بل كتموه عنهم ﴿فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ﴾ لم يعيروه انتباها ولم يلتفتوا إليه بل أضاعوا قسما كبيرا منه وأضافوا عليه وحرفوه ﴿وَاِشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ الثمن القليل هو ظنّ اليهود أنهم شعب الله المختار دائما وأبدا، وهو أيضا زعم المسيحية أن عيسى المسيح ﵇ قد افتدى خطاياهم بالنيابة عنهم سلفا، وقد يكون الثمن القليل أيضا تهالكهم على الزعامات والمصالح الدنيوية المؤقتة التي قد تفوتهم لو اتبعوا الرسالة الإسلامية ﴿فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ﴾ لأنّ ما يتمسكون من هذه الظنون والمزاعم والمصالح المادية ستكون وبالا عليهم في الآخرة.
وفي تفسير المنار أن هذه الآية عامة في جميع من أوتوا الكتاب بمن فيهم المسلمين، لأن الكتاب اسم جنس لكل الوحي الذي نزل على الأنبياء، وأن المسلمين وإن لم يكتموا شيئا من القرآن فإنهم مقصّرون في بيانه للناس، وأنهم فقدوا هدايته حتى شاع الفساد، وشاعت الخيانة بينهم، وتمسكوا بالفروع وغابت عنهم الأصول، وأن الكثير من المفسرين الذين تصدوا لتبيين القرآن في الكتب غلب عليهم عدم الاستقلال التام في الفهم، لأنهم افتتنوا بالروايات الكثيرة - وخاصة الإسرائيليات - وقيدوا أنفسهم بالاصطلاحات الفنية في الكلام، وأن تبيين القرآن يجب أن يكون على نوعين أحدهما لغير المؤمنين بغرض دعوتهم للإسلام، والثاني للمؤمنين لإرشادهم بشرح ما فيه.