للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نسب الإفساد إلى الشيطان وهذا في غاية اللياقة ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ﴾ إذ حكمته خافية على معظم الخلق ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ﴾ بجميع الأحوال والاعتبارات ﴿الْحَكِيمُ﴾ في فعله وقضائه، منزّه عن العبث والباطل.

﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ (١٠١)

١٠١ - ثم دعا يوسف ربّه: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾ من: للتبعيض، لأن الملك المطلق والسلطة المطلقة لله وحده ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ﴾ من التأويل، لأن مطلق التأويل والغيب لا يعلمه إلا الله ﷿ ﴿فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي مبدعهما، والفطر هو الشقّ، فيقال فطره فانفطر أي انشقّ، وتفطّر أي تشقّق، والفطر أيضا الابتداء والابتداع، ونظرية العلماء اليوم أن الكون انفطر من كتلة صغيرة جدا كحجم الذرة، ذات كثافة لا متناهية، فكانت بداية الكون بما يسمونه الانفطار الكبير - الانفجار الكبير Big Bang - الذي لا يزال الكون بنتيجته يتسع حتى الآن، انظر [الأنعام ١/ ٦]، ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ متولّ أموري وتتولاّني بالنعمة في الدارين ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِماً﴾ أي بحيث أبقى طيلة حياتي على الإسلام مستسلما لقضائه تعالى وقدره منشرح الصدر مطمئن البال ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ من عبادك فأكون مثلهم في صلاحهم ومآلهم.

﴿ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ (١٠٢)

١٠٢ - ﴿ذلِكَ﴾ ما ذكرنا لك من قصة يوسف ﴿مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ﴾ بخلاف عالم الشهادة الذي يشهده جميع الناس ﴿نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ فلم يكن من سبيل لمعرفتك به إلا بطريق الوحي ﴿وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ لدى أخوة يوسف ﴿إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ أن يجعلوه في غيابة الجب ﴿وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ بأخيهم مكر السيء، والمقصود أنّ هذا الإخبار عن الغيب من قبيل الإعجاز، فالنبي لم يقرأ

<<  <  ج: ص:  >  >>