الدنيوية، وكانت الشريعة مشددة عليهم كنوع من التربية الدينية، غير أنهم كانوا ينتهكون الشريعة تهالكا على المصالح الدنيوية، ومع أن الشريعة الموسوية قد نسخت فإن القرآن يشير إليها لبيان العصيان المتكرر لبني إسرائيل مما صار سمة لازمة لهم، انظر آيات [الأعراف: ٧/ ١٦٣] و [البقرة: ٢/ ٦٥]، فيكون معنى الآية دعوة اليهود إلى الإيمان قبل أن يصابوا بالخذلان في الدنيا، أو باللعنة التي أصيب بها أصحاب السبت، وهي حرمانهم من السمو الروحي الذي يتمتع به البشر، وانزلاقهم إلى عبادة المادة فيصيرون بمثابة الحيوانات والقردة، وقد تحقق فيهم العقاب الإلهي وطردوا من الحجاز ومحا الله وجودهم فيه ﴿وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً﴾ لا رادّ لمشيئته، ولا لسنّته في خلقه.
٤٨ - ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ تركيز القرآن الكريم على التوحيد غايته تحرير النفس الإنسانية من العبودية ومن التذلل والطاعة لأي نفوذ أو سلطة بشرية أو مادية أو غيبية غير الله تعالى، فتكون سعادة الإنسان بأن يسمو روحانيا، ويكون طليقا عزيزا حرا من عبادة الطواغيت ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ اِفْتَرى إِثْماً عَظِيماً﴾ أي أوجد ذنبا عظيما يعود وباله عليه وحده بأن يشقي في الدنيا بعبوديته وخضوعه للوهم، وفي الآخرة باستحقاقه تبعات عمله.
٤٩ - ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ الذين يزكون أنفسهم هم اليهود والنصارى، لأن اليهود يعتقدون أنهم شعب الله المختار إلى الأبد، مهما ارتكبوا من جرائم، ومهما أمعنوا في الضلال، والنصارى يعتقدون أنهم مطهّرون سلفا من الخطايا مهما بلغت، بزعمهم، لأن المسيح ﵇ قد افتدى خطاياهم سلفا على الصليب بالنيابة عنهم وإلى أبد الزمن، والعلاقة واضحة بين هذه الآية