إن هنالك سننا لنيل منافع الدنيا، وسننا لنيل منافع الآخرة، من سار على كلّ منها وصل لما يريد، ومن أراد بأعماله المنافع الدنيوية فقط فالله تعالى لا يمنعه من ذلك، ولكن ليس هذا ما يدعو إليه الإسلام، فالمسلم يعمل للدنيا وهو ينظر للآخرة، ومن هدي الإسلام أن يطلب الإنسان خير الدنيا وخير الآخرة معا، انظر آية [البقرة: ٢/ ٢٠١].
﴿وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ﴾ وهم الشاكرون لنعمة الإسلام الذي جعل الحقيقة بيّنة للناس، وأن الحياة ليست مقتصرة على ما نشاهده ونعرفه في حياتنا الدنيا فقط فمن الغيب ما لا نحيط بعلمه، والمؤمن الشاكر يتمتع بسعة الأفق بحيث أن أعماله يريد بها الدنيا والآخرة معا، أما الجاحد فهو من ضيق الأفق بحيث يسعى إلى المنافع الدنيوية فقط ويعتبرها هدفا نهائيا بذاتها فتكون وبالا عليه، والشكر ليس باللسان فقط وإنما بالقول والعمل معا.
١٤٦ - ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ﴾ ضرب تعالى مثلا بكثير من الأنبياء في الماضي، والمعنى كم من نبيّ قاتل معهم المؤمنون من أتباعهم، فصبروا على ما أصابهم في سبيل الله ولم يضعفوا ولم يستكينوا ﴿قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ ربيّون أي الذين يعبدون الرب بمعنى المؤمنين الأتقياء ﴿فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ الوهن هو ضعف القلب فيكون المعنى: لم يغيّرهم ما أصابهم في سبيل الله، فلم تضعف عقيدتهم ولم يصبهم الهلع والجزع ﴿وَما ضَعُفُوا﴾ لم تختل قوتهم وعزيمتهم على القتال ﴿وَمَا اِسْتَكانُوا﴾ لم يذلّوا لعدوّهم ولم يخشعوا له بالمداهنة رغم ضعف وسائلهم ومنزلتهم ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ﴾ الذين لا يصيبهم الهلع والجزع والضعف والاستكانة، ويصبرون على الشدائد في سبيل الله، فإن الله يحبهم.