بعثة الرسول على أنها تهديد لزعاماتهم ولمصالحهم السياسية والاقتصادية ولعاداتهم الاجتماعية كالرقيق واستعباد الناس، وحتى لو أيقنت نفوسهم ضمنيا برسالة النبي فإنهم يجحدونها خوفا على مراكزهم ودنياهم ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ قالوها تهكما، أي هل تعلمون ذلك علم اليقين؟ والمغزى أنهم لا يقوّمون دعوة صالح من حيث صلاحها وسموّ أهدافها، ممّا لا يستطيعون إنكاره، ولكنهم يطلبون البرهان المادي على تلقيه الوحي؟ وهذه الحجة يلجأ إليها الماديّون في كل الأزمنة ﴿قالُوا إِنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ بما معناه أن العقل والدلائل - لغير المكابر - كافية للإيمان.
٧٦ - ﴿قالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا إِنّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ تعبير عن إصرارهم وإغلاق بصيرتهم، وأنهم يعملون بما يمليه عليهم الإصرار على الكفر، وهو عقر الناقة كما سيرد في الآية التالية:
٧٧ - ﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ﴾ كناية عن ذبحها، لأن العقر هو قطع قوائمها، وكانوا قبل الإسلام يتبعون هذا الأسلوب الوحشي في نحر الناقة فيقطعون قوائمها قبل نحرها لتموت في مكانها ﴿وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ العتوّ هو التمرد، والمعنى تحدّيهم الآية التي جاءهم بها نبيهم ﴿وَقالُوا يا صالِحُ اِئْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ رفضوا مهلة التوبة والنظر في الرسالة والعلم والدلائل.
٧٨ - ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ يبدو أن الرجفة التي أخذتهم كانت زلزلة أرضية، ويحتمل أنه تبعها انفجار البراكين وسيلان الحمم البركانية فطغت على ديارهم، ولا تزال بقايا الحمم - اللافا - منتشرة شمال الحجاز إلى اليوم ولا سيما على مقربة من مدائن صالح، ويطلقون عليها اليوم اسم الحرّة، وهي الأراضي