للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٠ - وهنا تعود السورة إلى موضوع الآية (٦١)، وما ورد في قصة الخلق من تكريم بني آدم:

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ﴾ بأن علّمه تعالى الأسماء كلها، فأمكنه من التفكير المجرّد من بين جميع المخلوقات، ومنحه حرية الفكر والخيار والعقيدة، ولذلك أسجد له الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ﴿وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ بما أودع تعالى في عقولهم من وسائل العلوم والمعرفة يخترعون بواسطتها شتّى أنواع المركبات والسفن ﴿وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ بما جعل في الكون من سنن من سار عليها وصل إلى مراده ﴿وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا﴾ من حيوانات يقتصر فكرها على إشباع غرائزها البهيمية، وليس لها من ميّزات الإنسان المذكورة شيء ﴿تَفْضِيلاً﴾ كثيرا واضحا بيّنا،

﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ (٧١)

٧١ - ﴿يَوْمَ﴾ القيامة ﴿نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ﴾ بعد ما ذكرته الآية السابقة من تكريمه تعالى لبني آدم، تبيّن هذه الآية أنه يوم القيامة سوف يدعى كلّ أناس بإمامهم، وهو ما فسّره الرازي بتركيبة المرء الأخلاقية، أو اللاأخلاقية، التي كانت تسوقه في دنياه، فمنها شخصية الأخلاق الفاضلة والكرم وطلب العلم والزهد، ومنها شهوة طاغية للمال، أو شهوة طاغية للسلطة والتسلط، ومنها شخصية الحقد والحسد والتخريب، وشخصية الإجرام، فهذه كلها بمثابة إمام للفرد يقتديه، ويدعى بموجبه في الآخرة، وفي الحديث: «لكلّ امرئ ما نوى»، ويدخل في ذلك الأعمال التي يفترض أن قام بها المرء فتركها ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ كناية عن حسن الطالع، لأن العرب تقول ميمون وأيمن ﴿فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ﴾ كتاب أعمالهم وهم في حالة من السرور، لما كانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>