١٠٧ - الآيات (١٠٧ - ١١٠) تشير إلى مجموعة معينة من منافقي المدينة، غرّر بهم رجل من الخزرج يدعى (أبو عامر الراهب)، كان قد اعتنق المسيحية في الجاهلية قبل مقدم النبي ﷺ إلى المدينة، وكان له مقام كبير لدى الخزرج وعند مسيحية الشام، فلما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه، اتخذ أبو عامر منه موقفا معاديا من البداية، وقد دعاه النبي ﷺ إلى الإسلام وقرأ عليه القرآن فأبى واستكبر، بل تحالف مع كفار قريش ضده حتى أنه اشترك في وقعة أحد ضد المسلمين عام ٣ هجرية، ثمّ لمّا تبين له أنّ أمر المسلمين في تعاظم، خاصة بعد وقعة حنين، يئس وذهب إلى هرقل إمبراطور بيزنطة يستنصره ويحضه على مهاجمة المسلمين في المدينة ويرغّبه في استئصالهم، فوعده هرقل ومنّاه حتى أنه أقام عنده، وكان خلال هذه الفترة يكاتب جماعة من قومه في المدينة يعدهم ويغرّر بهم، ثم في العام ٩ هجرية كتب إليهم أن هرقل يعد العدة لإرسال جيش لاكتساح المدينة وأنه جار حشد الحشود لهذا الغرض، ولعل هذا من أسباب قيام النبي ﷺ بغزوة تبوك الدفاعية، راجع الخلفية التاريخية، وقد رغب أبو عامر أن يكون لأتباعه معقل ومقرّ خاص بهم في المدينة في حال حدوث الغزو، فأمرهم أن يبنوا مسجدا خاصا بهم في قريتهم بقباء، وهو مسجد الضرار الذي تشير إليه هذه الآية، فلمّا رجع النبي ﷺ من حملة تبوك أمر بهدمه، وأمّا أبو عامر الراهب فقد مات بالشام قهرا بعد ذلك بقليل:
﴿وَالَّذِينَ اِتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً﴾ عطف على ما سبق، أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا، للإضرار بالمسلمين، لأنّ الضرار طلب الضرر للآخرين ومحاولته، وهو الهدف من إنشائهم المسجد المذكور بجوار مسجد قباء، وتقدير الخطاب: اتخذوا مسجدا ليضرّوا به ضرارا، وكفروا كفرا، قال الزمخشري: كل مسجد بني مباهاة أو رياء أو سمعة، أو لغرض سوى ابتغاء وجه