ينهمك في زيادة النسل أو الجري وراء مادية الدنيا ووسائل الراحة ومزيد من التسلط على بني جنسه، بل هو منهمك بالتأثير في الطبيعة سلبا من خلال جهله، أو من خلال تقدمه الهائل في العلوم والتقانة وما يلحق الطبيعة بالتالي من تخريب وتلوث، مثل هذا الانهماك في التكاثر يلهي الإنسان عما سوى ذلك من الجوانب الروحية والأخلاقية في حياته: ﴿أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ﴾ (١)
﴿حتى تنقضي حياته الدنيوية كلها على هذا النمط: ﴿حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ﴾ (٢) وقوله ﴿زُرْتُمُ﴾ لأن المقابر ليست مستقرا نهائيا إذ لا يلبث الأموات أن يغادروها إلى الحياة الآخرة،
والنتيجة أن جري الفرد والمجتمعات وراء السعادة المادية الوهمية و"النمو الاقتصادي" المطلق بلا ضوابط ولا حدود ينتج عنه تفسخ البيئة والمجتمعات:
﴿كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾ (٣ - ٦) فالجحيم المشار إليه قد يكون جحيم الدنيا قبل الآخرة ممّا نشاهده الآن من تفسخ القيم والمجتمعات والتلويث المتسارع للبيئة والأنهار والهواء وشح موارد المياه وتغير المناخ وذوبان الجليد في القطبين مما لم يسبق له مثيل،
أما الجحيم الحقيقي فيراه في الآخرة - على وجه اليقين - الذين ألهاهم التكاثر في الدنيا: ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ (٧)
فبنتيجة سوء استخدام نعم الحياة الدنيا يسبّب المكثرون لأنفسهم ما يستحقون من عذاب الآخرة: ﴿ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)﴾.