١٦٩ - ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ من الأجيال التي جاءت بعدهم ﴿وَرِثُوا الْكِتابَ﴾ أي التوراة، يعلمونها على حقيقتها ولا يعملون بها ﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى﴾ يفضّلون حطام الدنيا مهما خالفوا الشريعة في سبيل الوصول إليها، والأدنى هي الدنيا لدنوّها أي قربها منهم ﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا﴾ المعنى سيغفر لنا ما نرتكبه من الشرور والآثام والخطايا، مهما تهالكنا على الحياة الدنيا ومتاعها، وهذا القول ناتج عن اعتقادهم أنهم الشعب المختار وأنهم العرق المتفوق المستعلي على البشر، وأن المغفرة مضمونة لهم لمجرد كونهم من سلالة إبراهيم ﵇ ﴿وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ﴾ يصرّون على الذنوب ويعودون إلى مثلها غير تائبين عنها في الوقت الذي يرجون المغفرة ﴿أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾ ليس في التوراة ما يؤيد اعتقادهم أن ذنوبهم مغفورة مهما بالغوا في المعاصي، فكيف يتخذون من معتقداتهم التي ابتكرها الأحبار مبررا شرعيا لتصنيف البشر إلى يهود وأغيار؟ ويبتدعون معايير أخلاقية - غير أخلاقية - مزدوجة، واحدة لهم والأخرى للأغيار؟ ﴿وَدَرَسُوا ما فِيهِ﴾ درسوا كتاب التوراة وعلموا ما فيه ولم يعملوا به، وأيضا درسوا ما فيه أي محوه وأضاعوه حتى اندرس، كقولهم درسته الريح أي محته، وقولهم درس الأثر أي زال، وهذا المعنى أقرب لواقع اليهود الفعلي، فالموجود من كتبهم بين أيدينا اليوم معظمه من تحرير الأحبار وافترائهم، وهو غاص بروايات الفحش والمنكرات والتعصب والاستخفاف بالقيم والأخلاق من كتاباتهم، انظر شرح [الأعراف ١٢٩/ ٧] و [آل عمران ٣/ ٣] و [المائدة ١٣/ ٥]، والخلاصة أنهم في آن واحد درسوا ما في الكتاب أي تعلموه، ثم درسوه أي محوه وكتبوا غيره ﴿وَالدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أي إنهم قد علموا أن ما أعدّه تعالى