﴿وعطّلوا فكرهم سلفا وأصرّوا على تقليد آبائهم بعبادة الأوهام: ﴿وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ وعبادة آلهة وثنية، ما فيه إهانة للفكر والعقل السليم: ﴿وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ (٢٣)
فدعا نوح ربّه أن لا يتحقق لهم ما يطمحون من مطامع الدنيا التي يتكالبون عليها: ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً﴾ (٢٤) أي لا تزدهم إلا ضلالا عن مطامعهم الدنيوية.
غير أنّ الفساد المستشري يؤدي بأصحابه إلى عذاب الدنيا قبل الآخرة:
ثمّ دعا نوح ربّه ألاّ يذر على ظهر الأرض كافرا يقطن الديار: ﴿وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً﴾ (٢٦) بمعنى أن تتحقق الهداية لجميع البشر.
ولمّا اقتضت سنته تعالى في خلقه أن يكون للناس حرية الفكر والخيار، وبالتالي أن يخرج منهم المؤمن والكافر فتكون الحياة الدنيا مسرحا لصراع الحق مع الباطل، وأن ليس بالضرورة أن يخرج من أصلاب الكفّار كفّار مثلهم لأنه تعالى يخرج من يشاء من الظلمات إلى النور، فقد استدرك نوح ﵇ بالاستغفار: ﴿رَبِّ اِغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ﴾ ثم دعا أن لا يتحقق للظالمين مرادهم: ﴿وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً (٢٨)﴾ أي هلاكا.