للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وعطّلوا فكرهم سلفا وأصرّوا على تقليد آبائهم بعبادة الأوهام: ﴿وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾ وعبادة آلهة وثنية، ما فيه إهانة للفكر والعقل السليم: ﴿وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ (٢٣)

فدعا نوح ربّه أن لا يتحقق لهم ما يطمحون من مطامع الدنيا التي يتكالبون عليها: ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ ضَلالاً﴾ (٢٤) أي لا تزدهم إلا ضلالا عن مطامعهم الدنيوية.

غير أنّ الفساد المستشري يؤدي بأصحابه إلى عذاب الدنيا قبل الآخرة:

﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً﴾ (٢٥)، انظر آية [هود ١١٧/ ١١]،

ثمّ دعا نوح ربّه ألاّ يذر على ظهر الأرض كافرا يقطن الديار: ﴿وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً﴾ (٢٦) بمعنى أن تتحقق الهداية لجميع البشر.

﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً﴾ (٢٧) والمقصود دعاؤه على الكفر والفجور، لأن مغزى الخلق اقتضته الحكمة الإلهية الموضحة بقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود ١١٨/ ١١].

ولمّا اقتضت سنته تعالى في خلقه أن يكون للناس حرية الفكر والخيار، وبالتالي أن يخرج منهم المؤمن والكافر فتكون الحياة الدنيا مسرحا لصراع الحق مع الباطل، وأن ليس بالضرورة أن يخرج من أصلاب الكفّار كفّار مثلهم لأنه تعالى يخرج من يشاء من الظلمات إلى النور، فقد استدرك نوح بالاستغفار: ﴿رَبِّ اِغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ﴾ ثم دعا أن لا يتحقق للظالمين مرادهم: ﴿وَلا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً (٢٨)﴾ أي هلاكا.

<<  <  ج: ص:  >  >>